جارٍ تحميل الأخبار العاجلة...
Responsive Advertisement

في حضرة الفن حين يعلو على السلالم الوضيعة للتمايز الطبقي

صدى الواقع اليمني - كتب: حسين الشدادي
Published from Blogger Prime Android App
في مساءٍ من مساءات السامقة، حيث تسكن الأرواح عطشاً للجمال، وتتشظى اللحظات نوراً من بين أعمدة الليل، انسكب الوهج من صوتٍ عتيق، فاغتسلت الأمكنة بنغمه، واختلطت في فضاء القرية ملامح الطرب بشيء من الإنصاف المؤجل. كانت السامقة، تلك القرية التي تحفظ للضوء معناه، على موعد مع نجم لم يُقدَّر له أن يتوهج في مدارات الضوء الرسمي، لكنه يحمل في حنجرته وهج الكواكب: الفنان عبدالرحيم مشاقر.

رجل من طينة المظلومية الصامتة، ومن سلالة أولئك الذين ما زالوا يُقذفون إلى هامش المشهد كما تُقذف القشور على قارعة الجوع الطبقي، فقط لأن بشرتهم اكتسبت من الشمس سوادها، ومن المعاناة عذوبتها. مشاقر، المنتمي إلى فئة "المهمشين"، لا يحمل صوته في جيب الجغرافيا المغلقة، بل يسكبه بيننا بكل نقاء، كأنه الحنين وقد استحال نغماً، أو كأن الوجع اختار أن يُترجم غناء.

لقد جاء إلينا حاملاً عبء اللامرئيين، وغنّى. نعم، غنّى، حتى كادت السامقة تنسى أنها محض قرية وتتحول إلى مسرح كوني. غنّى، فاهتزت داخلي تلك البقعة التي لم تطلها السياسة ولا الشعارات، وإنما تصلها فقط نداءات الروح حين تهمس في أذن الإنسان: "هذا الصوت لا ينبغي أن يُترك وحيداً".

ولأنني أومن أن الفن الحقيقي لا يعترف بشفرات اللون، ولا ينكفئ عند تخوم الانتماء الطبقي، فقد آليت على نفسي أن أكون حارس الضوء الذي يتسلل من أفواه المظلومين. أدعم مشاقر، وأدعم كل من يشبهه، ممن ظلت مواهبهم رهينةً في قبو النكران، لا لأنهم لا يحسنون الغناء، بل لأنهم لم يُمنحوا التصفيق.

وفي هذا السياق، فإنني أعدكم ببث الأمسية كاملة على قناة صدى الواقع اليمني، لا لغاية النشر فحسب، بل لنعيد – ولو جزئياً – رسم خارطة العدل الغنائي، ونضع النقاط حيث يجب أن تكون، لا على حروف المجد الزائف، بل على الأصوات التي تستحق أن يُنصت إليها بوقار.

لقد آن لهذا الوطن أن يعيد النظر في مرايا التقييم، فثمة أرواحٌ كبرى مُغيّبة، تسكن أجساداً هزيلة في العراء، لكنها تنبض بعنفوان لا تملكه الصالونات. فالعدالة الفنية لا تُستمد من بطاقات النسب، بل من ارتجاف القلب حين يسمع، ومن انحناءة الدهشة أمام موهبة لا تكذب.

الفن، إذ يكون صادقاً، لا يخضع للتمايز الطبقي، بل يعيد كتابة التاريخ بمنطقٍ لا يحفل بهويات الظل، بل يهتف بأسماء الضوء، ولو خرج من العتمة.


Post a Comment

أحدث أقدم