صدى الواقع اليمني - كتب: حسين الشدادي

شهدت المنطقة العربية حدثاً تاريخياً غير مسبوق، تمثل في انعقاد قمة ثلاثية جمعت رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، وولي عهد المملكة العربية السعودية، ورئيس الجمهورية العربية السورية الجديد، أحمد حسين الشرع. قمة لم تكن مجرد لقاء دبلوماسي عابر، بل إعلان صريح وواضح عن نهاية حقبة وبداية أخرى. نهاية نظام البعث بكل رموزه وشعاراته، وبداية عهد سوري جديد يُعيد البلاد إلى عمقها العربي بعد عقود من التغريب، والارتهان للمشروع الفارسي التخريبي.
الاعتراف الأمريكي: شرعية مكتملة الأركان
ما جرى لم يكن مجرد مجاملة سياسية أو مناورة ظرفية، بل اعتراف أمريكي مكتمل الأركان بشرعية النظام السوري الجديد. هذا الاعتراف جاء بعد سلسلة خطوات عملية، من أبرزها فتح السفارة الأمريكية في دمشق، ورفع العقوبات الاقتصادية تدريجياً، ودعوة سوريا للمشاركة في مؤتمرات التنمية والاستثمار الدولي، الأمر الذي يُعد تحولاً جذرياً في الموقف الأمريكي من سوريا، والذي ظل لعقود طويلة مرتبطاً بنظام الأسد وممارساته القمعية وتحالفاته المشبوهة.
نهاية البعث: سقوط آخر أوراق الهيمنة الإيرانية
بإعلان أحمد حسين الشرع رئيساً لسوريا، تكون صفحة حزب البعث قد طُويت إلى الأبد. تلك الصفحة التي اتسمت بالديكتاتورية، والتسلط، والتورط في المشاريع الإقليمية الدخيلة على النسيج العربي، لا سيما المشروع الإيراني التوسعي الذي جعل من سوريا قاعدة متقدمة في صراعات المنطقة. لقد دفع السوريون ثمناً باهظاً في الأرواح والدمار والتشريد جراء تلك الحقبة، واليوم يرون بصيص أمل في العودة إلى طبيعتهم وهويتهم الأصلية كدولة عربية خالصة.
سوريا الجديدة: على أعتاب مرحلة البناء
على الرغم من رمزية القمة وما تمثله من كسر للعزلة الدبلوماسية والسياسية، إلا أن أمام النظام السوري الجديد تحديات جسيمة. فإدارة ملفات التنمية، والبناء، وإعادة الإعمار تتطلب إرادة سياسية قوية، وتعاوناً إقليمياً ودولياً واسعاً. كما أن الملف الاجتماعي في الداخل السوري أكثر تعقيداً من أن يُحل بخطاب وطني فقط، بل يتطلب آليات مصالحة شاملة، وعدالة انتقالية تعيد الثقة بين الدولة والمواطن.
الملف الإسرائيلي: اختبار السيادة والاستقلال
من أبرز الملفات الساخنة التي ستواجه القيادة السورية الجديدة هو ملف العلاقة مع الكيان الإسرائيلي. إذ من المتوقع أن تحاول إسرائيل فرض رؤيتها للتطبيع والهيمنة، مستغلة اللحظة الانتقالية في سوريا. لكن الرهان الحقيقي سيكون على قدرة النظام الجديد في الحفاظ على ثوابت القضية الفلسطينية، وموازنة العلاقة مع المجتمع الدولي دون تقديم تنازلات مجانية تمس السيادة والكرامة الوطنية.
العودة إلى الحضن العربي ليست شعاراً
إن سوريا اليوم أمام لحظة فارقة، لحظة تُعيد فيها ترتيب موقعها من جديد، ليس فقط في خارطة العلاقات الدولية، بل في ضمير الأمة العربية. لقد انتهى زمن الوصاية الإيرانية، وسقطت أوهام البعث، وآن الأوان لأن تستعيد دمشق وجهها العربي، وتبدأ مرحلة جديدة عنوانها: السيادة، التنمية، والانتماء العربي.
وإذا كانت القمة الثلاثية قد دشنت هذا التحول، فإن الإرادة السورية، والعربية، والدولية مطالبة باستكمال الطريق نحو سوريا حرة، مزدهرة، ومتصالحة مع تاريخها ومحيطها.
إرسال تعليق