صدى الواقع اليمني - تقرير: حسين الشدادي

في الزمن الذي تصمت فيه البنادق مؤقتاً، وتخبو نيران المعارك مؤقتاً، تظل ذاكرة الحرب مشتعلة في وجدان من عاشوها، وخلّدوا تفاصيلها بعدساتهم وأقلامهم وصورهم التي نقلت للعالم حجم التضحيات والانتصارات. أنا الرائد حسين عبدالله عبدالجليل الشدادي، ركن إعلام اللواء السادس حرس حدود، أحد هؤلاء الجنود الذين لم يحملوا السلاح وحده، بل حملوا الكاميرا والقلم كأدوات للمعركة، وثّقوا الحقيقة من قلب جحيم الاشتباك.
منذ اللحظة الأولى لتأسيس اللواء السادس حرس حدود في الحد الجنوبي للمملكة العربية السعودية، كنتُ هناك. أنشأتُ الإعلام العسكري للواء من الصفر، وأطلقتُ أولى التغطيات الإعلامية لانتصاراته على مليشيات الحوثي الإرهابية، من الحجلة إلى رأس المقران، ومروراً بقرى رازح في صعدة. لم أكن مراسلاً خلف الخطوط، بل كنتُ مع المقاتلين في المقدمة، حيث الرصاص يحفر طريقه في الهواء، والانفجارات تملأ الأفق، والقناصات تتربص، والعبوات الناسفة تُزرع في كل زاوية. كنت في خندق المعركة، أرافق الأبطال خطوة بخطوة، أوثق، أنقل، أرفع الروح المعنوية، وأُظهر للعالم وجهاً من وجوه الكرامة اليمنية.
عاصرتُ ثلاث قيادات متعاقبة للواء، بدءاً بالعميد المجيدي، مروراً بالعميد غانم، وصولاً إلى العميد الأوصابي. وخلال عهد الأخير، واجهتُ محنة لم أكن أتوقعها. وُشِي بي ببلاغات كيدية لا أساس لها، وأُحلت إلى الاستخبارات العسكرية السعودية. قبعْتُ في السجن أشهراً، عانيتُ خلالها من ضغط نفسي هائل، وأُصبتُ بالاكتئاب. لكنني خرجتُ من تلك المحنة مرفوع الرأس، بعد أن ثبتت براءتي الكاملة، وخرجتُ بملف أبيض ناصع، خالٍ من أي تهم.
عدتُ بعدها للعمل في المركز الإعلامي لمحور رازح لعدة أشهر، حتى اشتدّ علي المرض، فغادرتُ إلى اليمن لتلقي العلاج. واليوم، وبعد أن منّ الله علي بالشفاء، لم أجد طريقاً للعودة إلى عملي، رغم أنني لا أملك مصدر دخل آخر، وأعيش ظروفاً معيشية صعبة. طرقتُ كل الأبواب، تواصلتُ مع الزملاء، خاطبتُ المسؤولين، وكل الردود جاءت واحدة: "عودتك مستحيلة". لكن لماذا؟ لا أحد يجيب.
إن ما يؤلم أكثر من المنع نفسه، هو التجاهل. لقد ضحيتُ في وقت عزّ فيه الرجال، ووقفتُ حيث لم يجرؤ الكثيرون على الوقوف، وأديتُ واجبي الوطني بأمانة وإخلاص. واليوم، أُترك خارج الساحة التي أنتمي إليها، دون أي اعتبار لما قدمته، وكأن التضحيات لا تعني شيئاً في حسابات البعض.
إنني أناشد هنا قيادة اللواء السادس حرس حدود، وقيادة الجيش الوطني في الحد الجنوبي للمملكة العربية السعودية، أن يتعاونوا مع الأشقاء في المملكة لإعادة النظر في قضيتي، والسماح لي بالعودة إلى موقعي الطبيعي في العمل الإعلامي العسكري، وهو العمل الوحيد الذي أجد نفسي فيه، بعد أن أعطيته أجمل سنوات عمري.
إن بقائي في قريتي بلا عمل، لا يعني فقط ضيق الحال، بل يعني أيضاً أنني أظل في مرمى خطر المليشيات الحوثية التي تصنّفنا "مرتزقة" بسبب ولائنا للشرعية والتحالف. وإن وقعتْ أيدينا في قبضتهم، فلن يترددوا في إنزال أشد العقوبات بنا. ولهذا فإن الاستغناء عن أمثالي في هذا الظرف، جريمة أخلاقية ووطنية كبرى، لا تليق بالمؤسسة العسكرية التي تنتمي لأسمى القيم وأرفعها.
أكتب اليوم بلسان كل من واجه المصاعب وخذلته الأبواب. أكتب كي يصل صوتي وصوت كل جندي أخلص وعانى. لأن التقدير لا يكون بالكلام، بل بالإنصاف.
إرسال تعليق