جارٍ تحميل الأخبار العاجلة...
Responsive Advertisement

ياسين البكالي... حين يغادر الشعراءُ بصمتٍ أكثرَ ضجيجاً من كل القصائد

صدى الواقع اليمني - كتب : أيمن صلاح الطاهري

Published from Blogger Prime Android App
لم يكن رحيل "ياسين البكالي" مجرد خبرٍ عابرٍ في نشرات الأخبار أو سطراً حزيناً في زوايا الصحف كان أشبه بسقوط نجمٍ من سماء اليمن المثقلة بالغيوم والوجع أو كصمتٍ مفاجئٍ لآلة كمانٍ كانت تعزف لحن الوجود في زمن النشاز... رحل الرجل الذي حاول أن يجعل من الشعر سؤالاً لا إجابة له إلا المزيد من الأسئلة ومن القصيدة مرآةً تعكس قبح العالم وجماله الخفي في آنٍ واحد... لا يمكن الحديث عن "ياسين البكالي" دون استحضار تلك الروح القلقة المتفلسفة التي كانت تسكن كلماته لم يكن شاعراً تقليدياً يتبع القوافي والأوزان كقطيعٍ أعمى بل كان ثائراً على اللغة متمرداً على الأشكال الجاهزة باحثاً عن معنى أعمق في ثنايا الوجود... قصائده لم تكن مجرد زخرفٍ لفظي أو ترفٍ فكري بل كانت صرخاتٍ مكتومة تأملاتٍ وجودية ومحاولاتٍ يائسةٍ للإمساك بخيط الحقيقة في عالمٍ يتقن فن المراوغة والخداع... في اليمن حيث الموتُ أكثر حضوراً من الحياة وحيث الأحلامُ تُجهض قبل أن ترى النور كان "ياسين البكالي" واحداً من أولئك القلائل الذين أصروا على أن يحلموا بصوتٍ عالٍ وأن يكتبوا بدم القلب لا بحبر القلم لم يكن يخشى أن يغوص في المناطق المعتمة من النفس البشرية أو أن يواجه أسئلة الوجود الكبرى بشجاعة الفيلسوف وبراءة الطفل كان شعره مزيجاً فريداً من الألم والأمل من السخرية والمرارة من الحب والغضب... لقد ترك لنا "البكالي" إرثاً شعرياً يستحق القراءة والتأمل ليس فقط لجمالياته اللغوية أو لعمقه الفلسفي بل لأنه شهادةٌ حيةٌ على زمنٍ صعب وعلى إنسانٍ حاول أن يكون أكبر من واقعه وأصدق من محيطه قصائده هي دعوةٌ مفتوحةٌ للتفكير للتمرد للحياة دعوةٌ لن نتجاهلها لأننا في أمس الحاجة إليها في هذا الزمن الرديء... رحيل "ياسين البكالي" خسارةٌ كبيرةٌ للمشهد الثقافي اليمني والعربي لكنه أيضاً فرصةٌ لإعادة اكتشاف تجربته الشعرية الفريدة وللاستماع إلى صوته الذي سيظل يتردد في أروقة الذاكرة كشاهدٍ على عصرٍ مضى وكمنارةٍ لأجيالٍ قادمة فالشعراء الحقيقيون لا يموتون بل يتحولون إلى كلماتٍ خالدة تسكننا وتلهمنا وتجعلنا أكثر إنسانية قد يظن البعض أن الحديث عن شاعرٍ في زمن الحرب والدمار هو نوعٌ من الترف أو الهروب من الواقع لكن الحقيقة هي أننا في أمس الحاجة إلى الشعر والفن والفلسفة في هذه الأوقات العصيبة لأنها هي التي تمنحنا القوة لمواجهة القبح والأمل لمقاومة اليأس والمعنى لمواصلة الحياة و"ياسين البكالي" بشعره وفلسفته كان واحداً من أولئك الذين قدموا لنا هذا الزاد الروحي الثمين... فلنتذكر "ياسين البكالي" لا كفقيدٍ نبكي عليه بل كقيمةٍ نحتفي بها وكصوتٍ نستمع إليه وكدرسٍ نتعلم منه ولنجعل من رحيله حافزاً لنا جميعاً كتاباً وقراءً ومثقفين لنعيد الاعتبار للكلمة الصادقة للفكر الحر للإبداع الحقيقي فهذا هو أفضل تكريمٍ يمكن أن نقدمه لروحه التي ستبقى حيةً فينا ما دامت فينا حياة.

Post a Comment

أحدث أقدم