صدى الواقع اليمني - كتب : حسين الشدادي

يعتبر القضاء الركيزة الأساسية لتحقيق العدالة وحماية الحقوق في أي مجتمع. في اليمن، يواجه القضاء تحديات كبيرة تتعلق بالتوازن بين استقلاليته وتأثره بالضغوط المجتمعية ووسائل الإعلام، خصوصًا في القضايا الجنائية التي تثير اهتمام الرأي العام، مثل قضايا اغتصاب القاصرات والجرائم ذات الطابع الاجتماعي الخطير.
1. استقلالية القضاء وأهمية الالتزام بالشكل القانوني
ينص المادة 135 من الدستور اليمني على أن القضاء مستقل، ولا سلطان لأحد على القضاة في أحكامهم، ويجب أن تُبنى الأحكام على الأدلة والمواد القانونية دون تدخل خارجي.
كذلك، يوجب قانون الإجراءات الجزائية أن تتم المحاكمة وفق قواعد العدالة والإنصاف، مع احترام حقوق الدفاع، وعدم السماح لأي تأثير خارج إطار القانون.
2. تأثير الرأي العام ووسائل الإعلام: واقع معقد
رغم النصوص القانونية الواضحة، تظهر في الواقع ممارسات تؤكد أن الرأي العام ووسائل الإعلام تلعب دورًا في مجريات القضايا، خاصة تلك التي تثير غضبًا واسعًا في المجتمع اليمني.
أمثلة واقعية:
قضية اغتصاب الطفلة رنا المطري في صنعاء (2013): تغطية إعلامية واسعة وحملات ضغط شعبية دفعت بسرعة الإجراءات القضائية وتنفيذ حكم الإعدام بحق الجاني.
قضية الطفل في الحديدة (2021): ضغط مجتمعي وإعلامي واضح على النيابة والقضاء لتسريع المحاكمة وتنفيذ عقوبة الإعدام على مغتصب قاصر.
تلك الأمثلة تبين كيف يمكن للرأي العام أن يؤثر في سرعة التقاضي وشدة العقوبات، غير أن ذلك لا يعني تغييب العدالة أو تجاوز القانون.
3. تأثير الإعلام على نزاهة المحاكم وحق الدفاع
تكمن الخطورة في أن يغلب تأثير الإعلام وضغط الرأي العام على حق الدفاع ونزاهة المحاكم، حيث قد يؤدي التغطية المكثفة إلى:
تعريض المجني عليهم أو المتهمين للضغط النفسي أو التهديد.
التأثير على القضاة أو المحامين بسبب التدخل الإعلامي، ما قد يؤدي إلى انحياز أو استعجال الأحكام.
نشر أخبار أو صور قد تُعتبر تشهيرًا أو إفشاء أسرار التحقيق قبل صدور حكم قضائي نهائي.
4. القانون والتشريعات: دور الإعلام في التغيير والتعديل
لعب الإعلام أحيانًا دورًا مهمًا في دفع التغيير التشريعي في اليمن، خاصة في مجال حماية حقوق الأطفال والنساء. عبر التغطيات المكثفة لقضايا فظيعة، زاد وعي المجتمع والسلطات بحجم المشكلة، ما أدى إلى:
تعديل قوانين خاصة بحماية القاصرين.
تشديد العقوبات على جرائم الاغتصاب والاختطاف.
ومع ذلك، لا يجب أن يُحل محل القانون أو أن يُفرض على القضاء، بل يكون دور الإعلام تنويريًا وتحسيسيًا.
5. قواعد النشر الإعلامي في القضايا الجنائية
وفقًا لقانون المطبوعات والنشر اليمني، ووفقًا للأعراف المهنية، فإن ما يلي يعتبر قواعد أساسية في التعامل الإعلامي مع القضايا الجنائية:
يُمنع نشر تفاصيل التحقيقات والأدلة قبل صدور حكم نهائي لتجنب التأثير على سير العدالة.
يجب احترام خصوصية الضحايا وخاصة القاصرين بعدم ذكر أسمائهم أو نشر صورهم.
يحظر التشهير بالمتهمين قبل إدانة قضائية نهائية.
يمكن نشر الوقائع والأحداث بعد التأكد من صحتها وبما لا يخل بسير العدالة.
6. التعدي على سلطة القضاء: ما يجب تجنبه
إصدار أحكام مسبقة عبر وسائل الإعلام قبل المحاكمة.
الضغط على القضاة أو المحامين من خلال الحملات الإعلامية.
نشر معلومات مغلوطة أو مجتزأة قد تضر بمبدأ المساواة أمام القانون.
ف الرأي العام ووسائل الإعلام في اليمن يلعبان دورًا مزدوجًا في قضايا العدالة: قد يساعدان في تسريع محاكمة الجناة وحماية حقوق الضحايا، لكن قد يؤثران سلبًا على نزاهة القضاء وحق الدفاع إذا تجاوزا الحدود القانونية.
لذلك، يجب أن تكون الممارسة الإعلامية قائمة على المسؤولية المهنية، واحترام القوانين التي تحمي العملية القضائية، لضمان تحقيق العدالة الحقيقية التي تنصف الجميع.
إرسال تعليق