صدى الواقع اليمني – تقرير: حسين الشدادي

بينما تتراكم طبقات النسيان فوق تضحيات الأبطال، يطفو إلى السطح صوتٌ موجوعٌ لجريح حربٍ من أبناء مدينة تعز، الشيخ أدهم الهلالي، أحد الذين شاركوا في تحرير المدينة وريفها من ميليشيات الحوثي الإرهابية، وهو اليوم يسطر برسالة موجعة وجريئة جانبًا مظلمًا من معاناة من ضحوا بدمائهم في سبيل الجمهورية، ليتحولوا بعد سنوات إلى أرقام مهملة في قوائم وزارة الدفاع.
أبطال بلا دواء ولا كرامة
يروي الجريح أدهم الهلالي تفاصيل صادمة عن أوضاعه الصحية والمعيشية، حيث أصبح شبه عاجز حركيًا دون أن يحظى بأدنى رعاية طبية أو حتى دواء مسكن للآلام. يقول:
“أصبحت أبيع ما تبقى لدي من ممتلكات لشراء المسكنات، التي تحولت مع الأيام إلى إدمان… لأن تكلفة العلاج أصبحت من أحلام اليقظة.”
وبينما تنهش الأمراض أجسادهم، تتضاعف المعاناة جراء الإهمال الرسمي، حيث لا يملك الجرحى في تعز إلا الدعاء والصبر، في ظل غياب أي خطط حكومية جادة لرعايتهم أو إعادتهم إلى الحياة بكرامة.
رواتب لا تكفي لشراء الماء
يتقاضى الجريح أدهم، كما مئات من رفاقه الجرحى وأسر الشهداء، راتبًا شهريًا لا يتجاوز ستين ألف ريال يمني، وغالبًا لا يتم صرفه بانتظام. يؤكد في رسالته:
“ننتظر الشهرين والثلاثة لاستلام راتب لا يكفي ثمن غاز الطبخ والمياه… بل أحيانًا يُسقط اسمي سهوًا ولا أحصل على شيء، وكلما راجعت قالوا لي: اصبر، المشكلة في الوزارة.”
في المقابل… امتيازات بالجملة لجندي في قوات طارق صالح
في مفارقة موجعة، يقارن الهلالي بين ما يعيشه الجرحى من بؤس، وما يحصل عليه الجنود في القوات التابعة لـالعميد طارق محمد عبدالله صالح، حيث يتم صرف راتب شهري منتظم يفوق 650 ألف ريال، إضافة إلى التغذية اليومية، بدل السكن، والرعاية الصحية داخل اليمن وخارجه.
“نتمنى لو نحصل على نصف ما يحصل عليه جندي في قوات طارق صالح… هذا ليس حسدًا، بل لأننا نحن من حررنا تعز وواجهنا الموت”، يقول الهلالي.
اتهامات مباشرة لقادة في الشرعية
لم يتردد الجريح الهلالي في اتهام بعض قادة الشرعية وسماسرتها بأنهم حولوا مؤسسات الدولة إلى سوق للمتاجرة بدماء الجرحى والمقاتلين، مستنكرًا الترويج الإعلامي لمن أسماهم بـ”تجار الوطنية”، وخص بالذكر بعض الأسماء التي اعتبرها جزءًا من منظومة الفساد.
رسالة محبة لطارق صالح وهجوم على خصومه
ورغم المعاناة، أشاد الهلالي بشخصية طارق صالح، قائلًا إنه “رجل دولة حقيقي، وقائد ميداني يعرف كيف يدير المعركة ويبني مؤسسة”. وأضاف أن من يهاجمه هم إما فاشلون أو “لصوص ومرتزقة وخونة وطن” على حد تعبيره.
صرخة في وجه التجاهل
هذه الرسالة ليست صرخة شخصية فقط، بل لسان حال المئات من جرحى الجيش الوطني، الذين سُحقت كرامتهم تحت أقدام الفساد والإهمال، وحُرموا من أبسط حقوقهم بعد أن قدموا أعمارهم في سبيل الدفاع عن الجمهورية.
إن استمرار هذا التمييز والإهمال يمثل قنبلة موقوتة تهدد النسيج الوطني، ويطرح تساؤلات جوهرية حول العدالة، وحول موقع “الجندي الحقيقي” في دولة يُفترض أنها قامت على تضحياته. هل هناك من سيصغي؟ أم أن الجرحى سيظلون مجرد أوراق تالفة في أدراج الوزارات المهترئة؟