google.com, pub-3455913717300994, DIRECT, f08c47fec0942fa0
صدى الواقع اليمني – كتب: يوسف اليامي
Published from Blogger Prime Android App
كيف يكون للعيد طعمه المعتاد؟
كيف يكتمل بهجته، وأنا أعرف أن الكثير ممن أحبّهم، أصدقائي، زملائي، إخوتي في المهنة والكلمة، يقبعون خلف جدران لا تعرف الرحمة؟
سجون مليشيا الحوثي لا تسجن الجسد فقط… إنها تسجن الأرواح، تُطفئ الذاكرة، وتغتال الفرح قبل أن يولد.
كم من صوت حرّ اختفى هناك؟
كم من قلم صادق كُسر؟
كم من ابتسامة خنقتها الزنازين؟
كم من أمٍ تنتظر، وأبٍ يتحسّر، وأخٍ يتحرى خبراً لا يأتي؟
كلما اقترب العيد، أفتح نافذة قلبي، علّي أشم رائحة الماضي، وأستدعي ملامح الأحبة… لكن العيد هذا العام مشلول، كأن فيه عيبًا خلقيًا… ناقصًا، مختل التوازن، فاقد البهجة.
لأن من كانوا يصنعون الفرح… غائبون.
من كانوا يملأون الجلسات حديثًا، ويشعلون الحياة دفئًا… مخطوفون.
من كانوا يحملون الكاميرا والميكروفون والصدق، ويواجهون الظلام بالكلمة… صاروا هم في ظلام لا نراه، لا نعرف حجمه، ولا نهاية نفقه.
أين أنتم الآن؟
هل تسمعون أصوات العيد؟
هل تصلكم تهاني من تبقّى من الأصدقاء؟
هل تشتمّون رائحة القهوة اليمنية في الزنزانة؟
هل يُسمح لكم حتى بتذكر أطفالكم، ووجوه أحبابكم؟
العيد هذا ليس للجميع.
هناك من يقضيه في الظلام، هناك من يفتتح يومه بالتعذيب، وينهيه على سرير بارد في غرفة بلا نوافذ.
وهناك من يحاول أن يبتسم أمام الناس، أن يتظاهر بالحياة، لكن قلبه مصلوبٌ هناك… خلف القضبان.
لم يعد العيد في نظري إلا علامةً على اتساع الغياب.
عيدٌ يأتي ليزيدني وجعاً، ليذكرني أن الزمن يمضي، وهم ما زالوا هناك… مسجونين بلا تهمة، ومغيبين بلا نهاية واضحة.
هؤلاء ليسوا مجرد أرقام في تقارير منظمات.
إنهم إخوتنا.
إنهم الأصدقاء الذين ضحكنا معهم، وسهرنا نحلم بمستقبل حرّ.
إنهم من شاركونا همّ الوطن، ودفعوا الثمن.
هل تذكرون فلان؟
ذاك الذي كان يكتب المقالات بشغف؟
الذي لم يُخِفْه التهديد؟
ذاك الذي قال الحقيقة ولم يهرب؟
هو الآن هناك… خلف الحديد…
وعيناه تبحثان عن السماء من ثقب في الحائط.
وآخر… كان يحلم أن يشتري لابنه لعبة في العيد.
وأخرى… كانت تنتظر نتائج دراستها، وخُطفت لأنها رفعت صوتها.
عيدنا ناقص… ناقص بوجعهم، ببعدهم، بظلمهم.
وسيبقى ناقصًا حتى نراهم أحرارًا، حتى نحتضنهم، ونقول لهم:
ما تغيّر شيء… كنا ننتظركم.
العيد الحقيقي ليس في الزينة، ولا في الملابس الجديدة…
العيد الحقيقي يوم تعودون إلينا، وتعود معكم الحياة.
العيد هو لحظة الحرية.
فيا عيد…
إن كنت تحمل الفرح للجميع، فلا تطرق بابي،
وإن كانت ضحكتك لا تشملهم، فلا داعي لأن تزورني،
فأنا لا أحتفل…
أنا أعدّ أسماء الغائبين، وأحصي أنفاسي كلما سمعت تكبيرات العيد،
تكبيرات كانت يومًا تسعدني، واليوم تُبكيني.
العيد الذي لا يجمعنا… لا يعنيني،
والصباح الذي لا يطلّ على وجوههم… لا يُسمّى صباحًا.
أجلس وحدي،
أتأمل صورهم في هاتفي،
بعضها قديم، وبعضها لم أجرؤ على حذفه، كأنها آخر ما تبقّى من أرواحهم في عالمي.
هل كبر أبناؤهم؟
هل ما زالوا يتذكرون أصواتهم؟
أم أن النسيان بدأ يحفر في تفاصيل الوجوه؟
وأقسى ما في الغياب… أنه لا يُفسّر.
لا أحد يشرح لي لماذا خُطفوا؟
لماذا يُحبَس الإعلامي لأنه قال الحقيقة؟
لماذا يُنسى الأسير لأننا تعبنا من الوجع؟
لماذا يصبح الصمت هو اللغة السائدة، والحق مكبّلاً في زنزانة بلا ضوء؟
كلما جاء العيد، جاء معه السؤال:
أين هم؟ ومتى يعودون؟ وهل سيعودون؟
وإن عادوا… هل سيكون في ملامحهم متسعٌ للحياة؟
هل ستبقى أعينهم كما عرفناها؟
أم أن السجن سيغيّر كل شيء… حتى الحلم؟
يا الله…
ارفق بقلوب الأمهات الثكالى في العيد،
ارفق بطفلٍ لا يفهم لماذا لا يعود أبوه رغم كل الأعياد.
ارفق بزوجةٍ تضع العيدية جانبًا لرجلٍ غيّبته السجون.
ارفق بنا…
فنحن نعيش العيد كأننا نحضّر جنازة بهدوء،
نبتسم خجلاً من الأطفال، لكن أرواحنا ممزقة،
نهرب من الأسئلة، ونخاف من الأجوبة،
ونكتب… فقط نكتب، لأننا لا نملك غير الكتابة،
فالكلمة آخر ما تبقى لنا من المقاومة.
 
الصحفي / يوسف اليامي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *