صدى الواقع اليمني – كتب : حسين الشدادي
في تطور لافت ومثير للجدل، أعلنت جماعة الحوثي مؤخرًا عن مقتل وإصابة العشرات إثر غارة أمريكية استهدفت تجمعًا قالت إنه كان “زيارة عيدية” في محافظة الحديدة، دون تحديد دقيق لموعد وقوع الهجوم أو عدد الضحايا، مكتفية بإعلان مقتضب يكتنفه الغموض، وسط صمت إعلامي داخلي غير معتاد من قبل الجماعة.
هذا الإعلان جاء عقب نشر الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب على حسابه بفيديو قال إنه يوثق استهداف قيادات حوثية خلال اجتماع عسكري، دون أن يحدد بدوره توقيت الضربة، ما يفتح بابًا واسعًا للتكهنات والتساؤلات بشأن طبيعة ما جرى فعليًا على الأرض في الحديدة، ويعزز فرضية وجود حملة أمريكية جوية مستمرة ومركزة ضد مواقع حوثية ذات طبيعة عسكرية حساسة، يجري التعتيم عليها من قبل الجماعة.
ورغم مرور ثلاثة أسابيع على بدء الهجمات الجوية الأمريكية – بحسب مصادر إعلامية أمريكية – لم تصدر جماعة الحوثي أي بيانات تفصيلية أو توضيحية بشأن الضحايا، سواء على مستوى القيادات أو الأفراد، كما لم تنشر قناة “المسيرة” التابعة لها مشاهد للضحايا أو موقع الاستهداف، وهو ما اعتادت عليه الجماعة حتى في الحوادث البسيطة التي تقع في مناطق سيطرتها.
الأكثر غرابة في هذا السياق، أن وسائل الإعلام المحلية ومواقع التواصل الاجتماعي في محافظة الحديدة لم تتداول خلال الأسابيع الماضية أي أخبار عن سقوط ضحايا مدنيين، سواء نتيجة غارة جوية أو أي حادث أمني. وبحسب المتابعين للشأن اليمني، فإن أي حادث بسيط عادة ما ينتشر بشكل سريع على وسائل التواصل، خاصة في المدن الساحلية المكتظة مثل الحديدة.
في المقابل، إذا صدقت الرواية الحوثية بأن الضربة الأمريكية استهدفت “زيارة عيدية” وتسببت في سقوط مدنيين، فمن المستغرب غياب أي تغطية إعلامية أو حملات تنديد، سواء عبر البيانات الرسمية أو الصور والفيديوهات التي اعتادت الجماعة بثها لتعزيز روايتها. هذا الغياب شبه الكامل للمشاهد المعتادة في مثل هذه الحالات – لا سيما من قناة “المسيرة” – يشير بوضوح إلى أن الضربة الأمريكية قد تكون قد أصابت هدفًا نوعيًا، وهو ما تسعى جماعة الحوثي إلى إخفائه.
مراقبون يرون أن هذا التكتّم غير المعتاد من قبل الحوثيين، إنما يعزز من احتمال أن الغارة الأمريكية استهدفت قيادات بارزة في الجماعة، وربما كانت ضربة موجعة يصعب الاعتراف بها علنًا في هذا التوقيت، خصوصًا مع تصاعد الضغط الدولي والإقليمي على الحوثيين بعد تصاعد عملياتهم العدائية في البحر الأحمر، وتوسع التدخلات الدولية ضدهم.
في ظل غياب معلومات موثوقة وشفافة، واستمرار الغموض من الطرفين الأمريكي والحوثي، يبقى السؤال الأهم: من هم الذين سقطوا في تلك الغارة؟ وهل كانت بالفعل ضربة مركزة ضد قيادات حوثية كما رجّحت بعض التسريبات الغربية، أم أن الحوثيين يسعون إلى تحويل الاستهداف إلى مظلومية مدنية، لإخفاء خسائر عسكرية ثقيلة قد تهز صفوفهم من الداخل؟
حتى تتضح الصورة، يبقى الموقف الحوثي محاطًا بالريبة، ويظل صمتهم غير المعتاد علامة على أن ما حدث في الحديدة لم يكن مجرد “زيارة عيدية”، بل اجتماعًا عسكريًا عالي المستوى انتهى بنهاية غير متوقعة.