صدى الواقع اليمني – كتب : حسين الشدادي

منذ أن وطأت أقدام رئيس مجلس القيادة الرئاسي الدكتور رشاد العليمي مدينة تعز في زيارته الأولى لها، كان يفترض أن تكون هذه الزيارة مفصلية، محمّلة برسائل دعم معنوي وقرارات عملية تليق بمدينة محاصرة ومقاومة، تكاد تكون النموذج الوحيد الذي لم يسقط في وجه مليشيا الحوثي رغم الجراح والنزيف.

غير أن أول ما فاجأ به العليمي أبناء المدينة كان حديثه عن “البيوت الواقعة في خطوط التماس”، بما يشبه الاتهام المبطن بأن الجيش يتمترس داخل الأحياء السكنية أو أن هناك عبثاً في تموضع القوات. وهو اتهام خطير في ذاته، لا يليق أن يصدر من أعلى سلطة تنفيذية في الجمهورية، خصوصًا وأن رئيس المجلس لا يبدو أنه مطّلعٌ على “صفرية التماس” في تعز، المدينة التي لم تترك لها المليشيا الإرهابية أي هامش للمناورة، حيث لا توجد مناطق فاصلة ولا أي مسافة آمنة بين الجبهات والمنازل.

حينها كتبنا، وقلنا بوضوح: هذا الحديث لا يصب في مصلحة تعز، بل يمنح الحوثي ورقة دعائية مجانية، ويزحزح البوصلة عن حقيقة المعركة.

أما اليوم، وبعد ما جرى ليلة الأمس من قصف على المنفذ الشرقي للمدينة، فالقصة أكثر إيلاماً.

قصفٌ حوثيٌ جديد، في مكانٍ ما من أطراف المدينة، يعتقد البعض أنه استهدف مخزنًا للسلاح تابعًا للجيش. لا يهم الآن إن كان الموقع محطةً أم مخزنًا، ولا تهمنا طبيعة الهدف، لأن المؤكد والثابت أن من قصف هو العدو ذاته، الحوثي ذاته، الذي يحاصر المدينة منذ أكثر من تسع سنوات.

لكن المدهش أن أصواتاً خرجت من بيننا، من داخل المدينة نفسها، لتدين الجيش وتوجه له اللوم، متناسية – أو متجاهلة عن عمد – حقيقة أن القصف بحد ذاته جريمة حوثية لا تقبل النقاش.

نعم، انتقاد الأداء حالة صحية، متى ما التزم الموضوعية، لكنه يتحول إلى خيانة حين يُستخدم لتبرئة العدو، وشيطنة من يحرسك. بل إن مجرد الحديث عن “تخزين سلاح” في مدينة كل شبر فيها على تماس ناري، هو عبث لغوي وفكري، لأنه وببساطة: تعز كلها مخزن، كلها جبهة.

هذه مدينة لا تملك رفاهية المناطق الخلفية. حتى شققها السكنية ومنازل المدنيين تلاصق الخنادق، وتحتضن أبناء الجيش الوطني، لا لأنهم يحتلونها، بل لأن المدينة كلها على خط النار، ولم يتبق فيها شبر واحد إلا ودفع ثمن الصمود.

ثم يأتي من يريدنا أن نلوم الجيش لأنه خزّن سلاحًا “قريبًا من الجبهة”! ومن أين له أن يضعه؟ هل على بعد 200 كيلومتر في مأرب؟ أم في عدن؟

هل هناك منطق في أن تُهاجم وحدات عسكرية لأنها احتفظت بسلاحها في موقع قريب من خط الاشتباك؟ أم أن المنطق يدعو لمدحهم لأنهم حافظوا على الحد الأدنى من الجاهزية في وجه هجمات متكررة؟

ثم، وهذا هو الأخطر: حين تنشر هذه الاتهامات على العلن، فأنت تقدم للحوثي خريطة أهداف مجانية، وتخدمه بلسانك ويدك.

فهل المطلوب من الجيش أن يخزن سلاحه في الجبال البعيدة؟ أم أن ينشر قوته حيثما تقتضي المصلحة الدفاعية؟ أم أن الجيش نفسه لم يعد مرحباً به؟!

علينا أن نعيد تموضع وعينا. لا يجوز أن نُصفّي الحسابات الشخصية أو نُسقط الغضب الشعبي على من تبقى لنا من مؤسسة الدولة. لا يجوز أن نتحدث عن انفجار في نقطة تماس وكأننا في كوبنهاجن، أو نُخضع الجبهات لمزاج فيسبوكي متقلب.

إن الفسبكة بكل شيء هي جريمة العصر، أما الجريمة الأم، فهي في تحوير الوقائع، وتبديل المتهم، وتسطيح مفاهيم الأمن والسيادة، حتى نبدو كمن يلوم الجدار لأنه صدّ الطلقة عن وجهه.

إذا كنا لا نملك اليوم القدرة على دعم الجيش، فعلينا على الأقل ألّا نطعنه. وإذا كنا لا نعرف الفرق بين سلاح الدفاع وسلاح الغدر، فالأجدر بنا أن نصمت حتى لا نُحسب على الغادرين.
ففي تعز، لا يوجد طرفان. هناك مقاومون، وهناك محاصرون. لا تنسوا من يُطلق النار، ومن يتلقى القذائف.

والتاريخ لا يُنصف من خانوه بالفكرة، قبل أن يخذلوه بالفعل.

🔗 رابط مختصر:

اترك رد