صدى الواقع اليمني – تقرير: خاص

حين تتأمل خارطة الحرب في اليمن، وتتابع آليات اتخاذ القرار العسكري، تجد أن الأمر لا يخضع لتراتبية عسكرية يمنية، ولا حتى لهيكل وزارة الدفاع، بل يكاد يكون مرهونا كليًا بإرادة خارجية، تحديدًا إرادة الرياض جبهاتٌ بأكملها تعمل خارج نطاق وزارة الدفاع، يقودها قادة عسكريون لا يخضعون لأي مساءلة يمنية، بل يُعيَّنون بقرارات سعودية مباشرة وهو ما يفتح الباب واسعًا أمام نقاشات جادة حول السيادة، وجدوى مفهوم “الشرعية” الذي بات، في كثير من جوانبه، قناعًا شفافًا يُخفي أكثر مما يُظهر.

القرار السيادي..!!



لم يعد خافيًا أن “الشرعية اليمنية”، بشقها العسكري تحديدًا، فقدت زمام القرار لصالح التحالف الذي تقوده السعودية. وتُعد جبهات الحدود – تلك التي أُنشئت في إطار الدفاع عن الأراضي السعودية بدماء اليمنيين – المثال الأوضح على هذا التحوّل. فهناك محاور عسكرية متكاملة، يقاتل فيها آلاف اليمنيين تحت إمرة قادة لا يتبعون وزارة الدفاع اليمنية، بل يَصدر أمرهم وتعليماتهم من غرف عمليات سعودية بحتة، دون أدنى تنسيق مع القيادة العسكرية اليمنية.

لا يتعلق الأمر بمجرد دعم سعودي للجيش اليمني كما تروج التصريحات الرسمية، بل بهيمنة كاملة على مفاصل القرار، إلى درجة أن بعض قادة المحاور والكتائب لا يعرفون أسماء ضباط وزارة الدفاع اليمنية، ولا يشعرون بأن عليهم تلقي أوامر منها.

رداد الهاشمي: تعيين سعودي بامتياز





أحدث الأمثلة على ذلك، تعيين القائد العسكري “رداد الهاشمي”، رغم سجله المثير للجدل. الرجل الذي تشير تقارير إلى أنه تسبب، عمدًا أو بفعل تقاعس وفشل ذريع، في سقوط أكثر من ثلاثة آلاف مقاتل يمني أسرى في قبضة الحوثيين، لم يخضع لأي تحقيق أو مساءلة. بل كوفئ، بقرار سعودي مباشر، بتعيينه في موقع قيادي جديد.

هذا التعيين لم يمر عبر وزارة الدفاع، ولم يخضع لمشاورة الحكومة اليمنية، أو على الأقل هياكلها الشكلية. بل بدا كما لو أنه قرار صادر من موظف سعودي، أُبلِغت به “الشرعية” اليمنية كما يُبلّغ التابع بأوامر السيد. وهذا في ذاته يمثّل صفعة واضحة لكل من لا يزال يعتقد أن للشرعية قرارًا مستقلًا، ولو في الظاهر.

جنود يمنيون في خدمة الحدود السعودية




من المفارقات المريرة أن أكثر الجبهات تنظيمًا وتسليحًا ودفعًا للرواتب، ليست تلك التي تقاتل لتحرير تعز أو البيضاء أو صعدة، بل تلك التي تنتشر على الشريط الحدودي السعودي. هناك، يتحول المقاتل اليمني إلى “حارس حدود مأجور”، يدافع عن أراضي دولة أخرى، فيما تُترك محافظاته للخراب والجوع والدمار.

أعداد كبيرة من الشباب اليمني أُجبروا على الانخراط في هذه الجبهات، ليس بدافع وطني، بل نتيجة ضغط الحاجة وسوء الوضع الاقتصادي، ويأس عام من هذا الكيان الذي يُطلق عليه اسم “الشرعية”، والذي بات يمثل بالنسبة لليمني العادي “أجندة بلا قضية”.

الشرعية في ثوب المهزلة





من المفترض أن يكون التحالف العربي – بقيادة السعودية – قد تدخّل لإنقاذ الشرعية اليمنية واستعادة الدولة. لكن ما حدث فعليًا هو أن التحالف ابتلع القرار اليمني، وأفرغ مؤسسات الشرعية من مضمونها، حتى باتت الأخيرة مجرد ختم رسمي يُستخدم لتمرير إرادة الرياض، داخليًا وخارجيًا.

الشرعية اليوم لا تملك جيشًا موحدًا، ولا جبهات تتبع قيادة مركزية، ولا مؤسسات عسكرية يمكن الاعتماد عليها في التخطيط أو المواجهة. في المقابل، تملك السعودية القدرة على تعيين قادة، وإقالة آخرين، وتمويل جبهات، وترك أخرى للمجهول، وفقًا لحساباتها الخاصة وليس بناءً على متطلبات المعركة الوطنية.

بين “التموضع” و”الاستتباع”



حتى لو قبلنا بدور كبير للسعودية في رسم ملامح المعركة، فإن السؤال الأخلاقي والسياسي يظل حاضرًا: لماذا لا تحرص الرياض على “التموضع” خلف مؤسسات الشرعية، على الأقل في الشكل؟ لماذا هذا الإصرار على التصرف علنًا كصاحب القرار الأول والأخير؟ ألا توجد حاجة لحفظ ماء وجه “الشرعية” ولو من باب التوازن السياسي؟

الجواب، فيما يبدو، يكمن في أن أحدًا داخل هذه المنظومة لم يعد يشعر بالحرج. فالكل يتعامل مع الواقع كما هو، بل ويكاد يُطبع معه. ولم يعد الحديث عن السيادة أو القرار الوطني يثير غير السخرية لدى قادة الجيش الذين باتوا يتلقون تعليماتهم من ضباط سعوديين لا يتحدثون حتى العربية اليمنية.

نحو صحوة وطنية




الوضع القائم لا يمكن تبريره، ولا السكوت عنه. وإذا كانت السعودية ترى في تدخلها ضرورة لحماية حدودها أو مصالحها، فهذا شأن يخصها، لكن على “الشرعية” اليمنية، إن أرادت الاحتفاظ بأي قدر من الاحترام، أن تقول كلمتها، وأن تستعيد – ولو شكليًا – هيبتها.

لا يمكن لليمن أن يُبنى أو يتحرر، في ظل جيش لا يتبع وزارة الدفاع، وقيادة عسكرية لا تملك قرارها، ومواطن يائس مستعد لبيع دمه من أجل لقمة تسد جوعه.

ما تحتاجه اليمن اليوم ليس فقط استعادة الأرض، بل استعادة القرار، والمبدأ، والكرامة.



كلمات مفتاحية:
اليمن، وزارة الدفاع، السعودية، رداد الهاشمي، جبهات الحدود، الشرعية اليمنية، الجيش اليمني، السيادة الوطنية، الحرب في اليمن، الحرس الوطني السعودي.

🔗 رابط مختصر:

اترك رد