صدى الواقع اليمني – تقرير: حسين الشدادي
في ظل استمرار الهجمات الحوثية على أهداف إسرائيلية وسفن شحن مرتبطة بها في البحر الأحمر وخليج عدن منذ نوفمبر 2023، بدأت دولة الاحتلال الإسرائيلي، وفقاً لما كشفته صحيفة “هآرتس” العبرية، دراسة عدة سيناريوهات لاحتواء هذه الجبهة المستجدة التي أزعجت القيادة السياسية والعسكرية الإسرائيلية وأربكت حساباتها، بالتزامن مع الحرب المفتوحة على قطاع غزة.
تصاعد التهديد من اليمن
مع اتساع رقعة الحرب في غزة، وإصرار إسرائيل على المضي في سياساتها القتالية التي تُتهم دولياً بأنها ترتقي إلى جرائم إبادة جماعية بحق المدنيين، أعلنت جماعة الحوثي في اليمن – المدعومة من إيران – انخراطها في “محور المقاومة”، وبدأت تنفيذ هجمات صاروخية وطائرات مسيّرة استهدفت ميناء إيلات وسفن الشحن التجارية المرتبطة بإسرائيل. وقد مثلت هذه الهجمات تحدياً إضافياً لإسرائيل في بيئة استراتيجية لم تعتد أن تُستهدف منها.
في المقابل، أبدى مسؤولون إسرائيليون تخوفاً من تحول الجبهة اليمنية إلى مصدر تهديد دائم، خاصة مع امتلاك الحوثيين ترسانة من الصواريخ الباليستية والطائرات المسيّرة الإيرانية، التي باتت تنطلق من عمق الأراضي اليمنية، ويصعب اعتراضها جميعاً.
السيناريوهات المطروحة لاحتواء الجبهة اليمنية
بحسب ما نشرته “هآرتس”، فقد أدرجت إسرائيل عدة خيارات قيد الدراسة:
1. اتفاق سياسي مع حماس أو إيران
يرى مسؤولون في تل أبيب أن التوصّل إلى تفاهمات مع إيران – الداعم الرئيس للحوثيين – قد يُفضي إلى وقف الهجمات من اليمن. وهذا السيناريو يعتمد بدرجة كبيرة على نتائج الحوار غير المباشر الذي ترعاه الولايات المتحدة مع طهران. وبحسب المصادر، فإن إيران قد تكون قادرة على كبح جماح الحوثيين، تماماً كما تفعل مع حزب الله في لبنان، لكن تظل المشكلة في مدى انضباط الجماعة اليمنية للقرار الإيراني، نظراً لتركيبتها العقائدية والميدانية المختلفة.
2. اتفاق شامل لوقف إطلاق النار في غزة
تشير التقديرات الإسرائيلية إلى أن الحوثيين أوقفوا هجماتهم مؤقتاً خلال فترات الهدنة أو صفقات تبادل الأسرى بين إسرائيل وحماس. ولذلك يُنظر إلى إنهاء الحرب في غزة كحل جذري لإخماد الجبهة اليمنية، على اعتبار أن الدافع الأساسي للهجمات هو “الرد على المجازر في غزة”، كما أعلن الحوثيون مراراً.
3. تحريك الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً
واحد من السيناريوهات “الأكثر خطورة” بحسب مراقبين، يتمثل في تشجيع الحكومة اليمنية، المدعومة سعودياً وإماراتياً، على استهداف الحوثيين بذريعة حماية الملاحة البحرية ووقف الهجمات على إسرائيل. إلا أن هذا الخيار يحمل في طياته مخاطر تعميق الحرب الأهلية اليمنية، وربما يُستغل من قبل إسرائيل وحلفائها لتبرير تدخلات أوسع في اليمن تحت مظلة “محاربة الإرهاب”.
4. استمرار الضربات الإسرائيلية في عمق اليمن
رغم إعلان إسرائيل تنفيذ ضربات جوية ضد مواقع حوثية في اليمن، فإن هذه الهجمات لم تنجح – حتى اللحظة – في وقف التهديد. ويؤكد مصدر سياسي إسرائيلي لـ”هآرتس”: “الضربات وحدها لن تكفي. الحوثيون يملكون قدرات تكنولوجية متطورة، ويعيدون تنظيم أنفسهم بسرعة”. ومع أن منظومات الدفاع الجوي الإسرائيلية تُظهر نجاحاً في اعتراض الصواريخ والطائرات المسيّرة، فإن كثافة الهجمات باتت مصدر قلق جدي.
5. توسيع التحالف العسكري ضد الحوثيين
أحد السيناريوهات المطروحة إسرائيلياً يتمثل في توسيع المشاركة الدولية في ضرب الحوثيين، وتحديداً عبر تحالفات بحرية تقودها الولايات المتحدة وبريطانيا. وقد يُطلب من جيوش عربية حليفة – مثل السعودية أو الإمارات – تعزيز مشاركتها الميدانية، وهو ما قد يفتح الباب أمام تصعيد إقليمي جديد، وربما صراع مباشر مع إيران بالوكالة.
التهديدات المتوقعة والتقديرات الإسرائيلية
رغم هذه السيناريوهات، لا تُبدي إسرائيل ثقة مطلقة بأي منها. وتؤكد الصحيفة أن الحوثيين ليسوا تنظيماً يمكن توقع سلوكياته بسهولة، كما هو الحال مع حزب الله اللبناني. ويقول أحد المسؤولين الإسرائيليين: “الحوثيون تنظيم أيديولوجي، مدفوع بشحنات عقائدية، ولا يُقدّر نتائج أفعاله بشكل عقلاني أو سياسي دائم”.
وتتخوف تل أبيب من أن أي تصعيد جديد في الضفة الغربية أو في المسجد الأقصى قد يعيد إشعال الجبهة اليمنية مجدداً، حتى إن تم التوصل إلى هدنة في غزة. كما أن استمرار إطلاق الصواريخ من اليمن يهدد بوقوع إصابات بين المدنيين، ويمسّ بالبنية التحتية الحيوية، ويضرّ بثقة الشركات الأجنبية بالاستثمار في إسرائيل، خاصة شركات الشحن والطيران.
إسرائيل في مأزق استراتيجي
يرى محللون أن إسرائيل وجدت نفسها في مأزق استراتيجي، فهي أمام عدو بعيد جغرافياً لكنه يملك القدرة على تهديد أمنها الداخلي والاقتصادي. كما أن الجبهة اليمنية تمثل إحراجاً للمؤسسة العسكرية الإسرائيلية التي تفتخر بتفوقها الاستخباراتي والتكنولوجي، لكنها حتى اللحظة عاجزة عن منع الحوثيين من ضرب أهداف حيوية.
وفي حين يُعد وقف الحرب في غزة مدخلاً واقعياً لإنهاء التهديد من اليمن، فإن الحكومة الإسرائيلية بتركيبتها الحالية لا تُبدي ميلاً حقيقياً نحو تسوية سياسية، بل تُواصل تصعيدها ضد الفلسطينيين، ما يعني أن استمرار إطلاق النار من اليمن سيظل واقعاً في المدى المنظور.
صراع مفتوح ومعادلة غير متوازنة
تبدو الخيارات الإسرائيلية بين جميع السيناريوهات غير مكتملة أو ذات تكلفة مرتفعة. فالضربات الجوية لم تُفلح في كبح الحوثيين، والتحركات السياسية مع إيران أو حماس تبدو بطيئة وغير مضمونة. كما أن تعويل إسرائيل على الحكومة اليمنية كأداة ميدانية قد يزيد من تعقيدات الملف اليمني دون نتائج سريعة.
في نهاية المطاف، تبقى الجبهة اليمنية واحدة من التحديات الكبرى أمام إسرائيل في حربها المستمرة، وسط تداخل إقليمي شديد، وتغيّرات عميقة في معادلة الردع، وبروز لاعبين جدد قادرين على التأثير من مسافات بعيدة.
الكلمات المفتاحية:
إسرائيل، الحوثيون، اليمن، غزة، الحرب في غزة، الصواريخ الباليستية، إيران، تل أبيب، البحر الأحمر، تهديدات الحوثيين، هآرتس، الحكومة اليمنية، السلام في غزة، صدى الواقع اليمني.