صدى الواقع اليمني – تقرير: حسين الشدادي
شهدت محافظة المهرة، شرقي اليمن، خلال الأيام الماضية تطورات أمنية خطيرة كشفت عن تصعيد عسكري غير مسبوق قاده العميد السابق والقيادي القبلي المثير للجدل علي سالم الحريزي، المدعوم من سلطنة عمان، ضد القوات الحكومية الشرعية، في مؤشر واضح على تحوّل المسار السياسي لما يُسمّى “الحراك المهري” إلى تمرد عسكري صريح يخدم أجندات الحوثيين ويهدد وحدة الدولة اليمنية وسلامة أراضيها.
ويأتي هذا التوتر عقب عملية أمنية نوعية تم فيها القبض على قيادي حوثي بارز يُدعى عبدالله الزايدي في منفذ صرفيت أثناء محاولته التسلل إلى سلطنة عمان بجواز سفر مزور، وهو ما فجّر حالة من الهستيريا في أوساط أنصار الحريزي الذين تحركوا لعرقلة نقل الزايدي، وقادوا هجمات مسلحة على قوافل أمنية رسمية.
الخلفية والسياق: من ضابط في حرس الحدود إلى وكيل متمرد
ولد علي سالم الحريزي عام 1957 في ريف مديرية حوف بمحافظة المهرة، وتدرّج في السلك العسكري حتى أصبح قائدًا لحرس الحدود في المحافظة، ثم وكيلاً لشؤون الصحراء عام 2009. وبرغم تقاعده وإقالته من مناصبه في عام 2018، إثر احتجاجاته ضد التواجد السعودي، إلا أنه بقي يحتفظ بنفوذ قبلي وشبكة علاقات داخل المهرة، استثمرها لاحقًا في تكوين جماعات مسلحة تحت غطاء “رفض التواجد الأجنبي”، بدعم مباشر من سلطنة عمان.
في السنوات الأخيرة، تحوّل الحريزي من شخصية عسكرية إلى زعيم لمليشيا غير رسمية تموّلها عمان وتوظفها في عمليات تهريب، وتسهيل دخول عناصر حوثية واستخباراتية عبر منافذ المهرة، وعلى رأسها منفذ صرفيت الحدودي مع السلطنة.

القبض على القيادي الحوثي الزايدي: بداية الشرارة
في الأسبوع الأول من يوليو الجاري، تمكنت قوات الأمن اليمنية من اعتقال القيادي الحوثي عبدالله الزايدي في منفذ صرفيت، بينما كان يختبئ داخل شاحنة نقل أسماك ويحمل جواز سفر مزورًا منتحلاً صفة ضابط في الجيش. المعلومات الأمنية تشير إلى أن الزايدي لعب أدوارًا بارزة في الحشد إلى جبهات القتال ضد الشرعية، وله مشاركات موثقة في إعلام الحوثي، أبرزها ظهوره على قناة “المسيرة” التابعة للمليشيا.
وما أثار الجدل هو محاولة الحريزي التدخل بشكل مباشر لمنع نقل الزايدي من المنفذ، متذرعًا بالسيادة، وقاد مسلحين موالين له لاعتراض القوة الأمنية، ما أدى إلى استشهاد العقيد عبدالله زايد، قائد الحملة الأمنية، في حادثة اعتبرت غادرة وصادمة.
الدور العُماني: دعم غير معلن للمليشيا والانفصاليين
لا يمكن فهم تحركات الحريزي دون الإشارة إلى الدور العُماني الغامض في المهرة. فقد وفرّت مسقط للحريزي دعمًا سياسيًا وماديًا واسعًا منذ عام 2017، مبررة ذلك بموقفها من التحالف العربي بقيادة السعودية، لكنها عمليًا حوّلت المهرة إلى ملاذ آمن للحوثيين ومنصة للتهريب والاستخبارات.
وتؤكد مصادر أمنية أن عمان سعت إلى التدخل لإطلاق سراح الزايدي عبر وساطات قبلية وعرضت تسويات، الأمر الذي فشل حتى الآن، وأدى إلى تصعيد التوتر، خصوصًا بعد إغلاق منفذ صرفيت بشكل كامل بسبب الهجمات المسلحة.
المعارك على الأرض: تمرد مسلح وكمائن حوثية مموّهة
في تطور خطير، قاد الحريزي ميليشياته المسلحة نحو مواجهات مباشرة مع قوات الأمن والجيش الوطني، حيث نصب كمائن عدة بين الغيظة ومنفذ صرفيت، وسعى إلى عرقلة أي تحركات لتعزيز الحملة الأمنية. ورغم سحب العديد من أبناء قبائل المهرة أنفسهم من مواقع التمرد، بقيت مجاميع صغيرة مدعومة من مقاتلين متحوثين من مناطق مثل الجوف تقاتل تحت راية الحريزي.
الحريزي – الذي طالما ادعى أنه يقاتل من أجل “السيادة” – أثبت عمليًا انخراطه في مشروع الحوثي، وسقوط القناع عنه بات واضحًا بعد هذا التورط المباشر في حماية عناصر حوثية والتصعيد ضد القوات الشرعية.
مواقف قبلية وأمنية: تفكك الجبهة المهرية للحريزي
التطور اللافت في الساعات الماضية هو انسحاب مشايخ ووجهاء قبائل المهرة من دعم الحريزي، وبيانات تندد بتوريط أبناء المهرة في صراع لا يخدم المحافظة، ويمثل انقلابًا على مؤسسات الدولة الشرعية. بل إن بعض أبناء المهرة خرجوا في مظاهرات مصغرة تطالب بتطهير المحافظة من المليشيات المدعومة من عمان.
وتؤكد مصادر عسكرية أن “الموضوع لم يعد يقتصر على شخصية الزايدي، بل تعدى ذلك إلى إعلان حالة التمرد العسكري الكامل من طرف الحريزي، ما يفرض على الدولة اتخاذ إجراءات عاجلة لحماية سيادتها وأمن مواطنيها”.
هل حان وقت الحسم في المهرة؟
بعد أكثر من سبع سنوات من التمدد الناعم للحريزي والمشروع العُماني في المهرة، يبدو أن الأمور قد بلغت نقطة اللاعودة. تحوّل الحريزي من قيادي عسكري سابق إلى زعيم تمرد يخوض معركة بالوكالة عن الحوثيين، ويستخدم غطاء “السيادة” لخدمة المهربين والجواسيس والانقلابيين.
اليوم، يُطرح سؤال جوهري: هل آن الأوان لتحرير المهرة من قبضة المليشيات العُمانية والحوثية بقيادة الحريزي؟ وهل تتحرك الحكومة والتحالف العربي لوضع حد للعبث بواحدة من أهم المحافظات الاستراتيجية في اليمن؟
الزمن كفيل بالإجابة، لكن التحدي الآن هو استعادة الدولة لسيادتها وهيبتها قبل أن تتحول المهرة إلى صعدة جديدة على بحر العرب.
كلمات مفتاحية:
الحريزي، المهرة، عمان، الحوثيون، الزايدي، منفذ صرفيت، التمرد العسكري، السيادة اليمنية، عبدالله زايد، تهريب، مسلحون، قوات الشرعية، صدى الواقع اليمني.