صدى الواقع اليمني – تقرير: حسين الشدادي
في حادثة كشفت حجم التشظي داخل منظومة “الشرعية” اليمنية، هاجم العشرات من المسلحين التابعين لعلي سالم الحريزي، المعروف بولائه الصريح للحوثيين، قوة من الجيش الوطني كانت في طريقها إلى منفذ صرفيت بمحافظة المهرة، وذلك بهدف نقل الشيخ القبلي المدعو الزايدي إلى عاصمة المحافظة. وأسفر الهجوم عن استشهاد قائد القوة وإصابة اثنين من مرافقيه، في مشهد يعيد طرح السؤال المؤلم: من يمثل الدولة اليوم؟ ومن يقف في صف أعدائها؟
اللافت ليس فقط في الجريمة، بل في ردود الفعل التي أعقبتها؛ إذ خرجت أصوات من داخل أطراف “الشرعية” تدافع عن الزايدي وتستنكر توقيفه، متجاهلةً تمامًا أن هناك ضابطًا في الجيش، كان ينفذ أوامر الدولة، قد قُتل غدرًا على يد مسلحين خارجين عن القانون، بدوافع طائفية وسياسية لا تخفى.
من يمثل الشهيد؟ ومن يمثل الزايدي؟
السؤال الجوهري هنا: القائد العسكري الذي استشهد وهو ينفذ مهمة رسمية صادرة عن مؤسسات الدولة، هل يمثل الدولة أم يمثل الحوثي؟ وإذا لم يكن الزايدي متورطًا مع الحوثيين كما يدعي بعض المدافعين عنه، فما الذي دفع مرتزقة الحريزي، المعروفين بارتباطهم الوثيق بالمليشيا الحوثية، لمهاجمة قوة الجيش دفاعًا عنه؟
المنطق السليم يقول: لا يُقاتل الحوثيون إلا من يشكل تهديدًا عليهم أو على حلفائهم. وبالتالي، فإن مجرد تدخلهم للدفاع عن الزايدي، يكفي ليضع أكثر من علامة استفهام حول موقع هذا الأخير من المعركة الوطنية.
الشيخ فوق الدولة.. من أين جاءت هذه العقيدة؟
ما يحدث اليوم هو نتاج ثقافة ملوثة ومزروعة عمدًا في الوعي الجمعي لبعض المناطق، تكرس فكرة أن “الشيخ” يجب أن يكون فوق الدولة، وأن مجرد محاولة محاسبته أو استدعائه تعتبر تطاولًا واعتداءً على “الناموس”، وكأننا نعيش في ظل سلطة غيبية لا قانونية.
هذه الثقافة ذاتها، التي ما زالت تحكم المشهد في بعض أوساط القبائل، هي ما مهدت الطريق لتسلط الحوثي، ومكنت المليشيا من فرض “إمامتها” بقوة السلاح على حساب الدولة ومؤسساتها. الحوثي لم ينتصر فقط بالسلاح، بل انتصر حين نجح في إعادة ترتيب الهرمية الاجتماعية والسياسية لصالحه: أولًا الحوثي، ثم الشيخ، ثم الدولة في المرتبة الأخيرة، إن بقي لها مكان.
الزايدي: مسؤولية قانونية وجنائية
إن المطالبة بمحاكمة الزايدي ليست مجرد رد فعل انتقامي، بل هي واجب قانوني وأخلاقي ووطني. فهو ليس متهمًا فقط بالتحريض أو إيواء المهاجمين، بل أصبح فعليًا محور جريمة راح ضحيتها شهيدٌ من رجال الدولة أثناء أداء مهامه.
إن دم هذا القائد المغدور يجب ألا يُنسى أو يُساوم عليه، ويجب أن يُفتح تحقيق عاجل ومحايد، يُستدعى فيه الزايدي للتحقيق معه حول علاقته بالمسلحين، وتحمله المباشر أو غير المباشر لمسؤولية الجريمة.
الدولة التي لا تحمي رجالها، لا تُحترم
إن أي تهاون في هذه القضية، أو مسايرة للضغوط القبلية والمناطقية، لن يرسخ إلا قناعة واحدة: أن الدولة قد تخلت عن دورها، وأن السلاح والولاء الطائفي صارا الطريق الأسهل لفرض النفوذ والحصانة.
إذا كانت الدولة لا تجرؤ على محاسبة من يتسبب في مقتل أحد ضباطها، فما الذي تبقى من هيبتها؟ وما الرسالة التي توجهها لبقية الجنود والضباط الذين يُطلب منهم مواجهة المليشيات والمتمردين؟
المطلوب
يجب أن يُقدم الزايدي للمساءلة الجنائية والقضائية عن دوره في جريمة مقتل القائد العسكري.
يجب فضح ثقافة “الشيخ فوق الدولة” ومواجهتها بخطاب وطني مدني يحترم القانون والمؤسسات.
ويجب على الشرعية أن تعيد تموضعها بوضوح، فإما أن تكون دولة تحمي رجالها وتفرض سيادتها، أو تتحول إلى مظلة لأمراء الطوائف وشيوخ المليشيا.
إنها ليست مجرد قضية احتجاز شيخ، بل اختبارٌ حقيقي لقدرة الدولة على استعادة مكانتها، والدماء التي سُفكت لا تحتمل التأجيل أو المجاملة.