صدى الواقع اليمني – كتب: حسين الشدادي

في دروب النفس البشرية تنمو تخيلاتٌ متباينة، تتعدد بتعدد النفوس، وتتشكل بتأثير الثقافة، والتربية، والتجربة، وحتى الهواجس الدفينةولعلّ من أكثر هذه التخيلات إثارة للجدل والدهشة – سواء في دوائر التحليل النفسي أو في ساحات الحوار الأخلاقي – ما يُعرف بـ”خيال الكوكلد” أو خيال المشاركة الجنسية غير المباشرة للشريك مع طرف ثالث هذا الخيال، الذي قد يراه البعض طارئاً أو شاذاً، هو في الحقيقة أحد التجليات النفسية المعروفة، وإن ظلّ مُستتراً خلف ستائر الحياء الجمعي.

ماهية الخيال ومفهوم الكوكلد





“الكوكلد” في أصله مصطلح غربي، مشتق من فكرة الرجل المخدوع أو الشريك الذي يُثار جنسيًا من تخيّل أو علمه بأن شريكته تمارس العلاقة مع رجلٍ آخر. ورغم أن الكلمة قد تحمل دلالة مهينة في ثقافاتٍ تقليدية، إلا أنّها تحوّلت في الأوساط النفسية الغربية إلى توصيفٍ لحالة من الخيال الجنسي، لا تنبع بالضرورة من ضعفٍ في الذات، بل أحياناً من تركيبةٍ نفسية معقّدة تمتزج فيها الرغبة، بالغيرة، بالتحكّم، بالخضوع، بل حتى بـ”الإثارة المحرّمة”.

غير أن الترجمة الحرفية لا تفي بالغرض، فالموضوع أوسع من مجرد موقفٍ جنسي متخيَّل؛ إنه مساحة متشابكة بين اللذة والخذلان، بين السيطرة والانكسار، بين الأنا والآخر. وغالباً ما يُمارس هذا الخيال في أطر كلامية أو فكرية، دون نيةٍ حقيقية لتجسيده على أرض الواقع.

التحليل النفسي للخيال الجنسي المشترك





يرى علماء النفس أنّ التخيلات الجنسية، مهما بدت غريبة أو مناقضة للواقع، تؤدي دوراً مهماً في تحرير الفرد من الكبت، وتسمح له بتفريغ شحناته النفسية في مساحة آمنة من التصور، دون أن يلزمه ذلك بتنفيذها فالخيال هو نافذة الروح للبوح، لا مرآتها للسلوك.

وخيال “الكوكلد” تحديداً، قد يرتبط – بحسب التحليل الفرويدي أو ما بعد الفرويدي – بعوامل عميقة الجذور، منها:

الشعور بالنقص أو التحقير الذاتي، الذي يُعالج – لا شعورياً – من خلال تخيّل شريك أقوى يشارك الطرف الآخر العلاقة.

اللعب على أوتار الغيرة المحمومة، حيث تتحول الغيرة من شعور مؤلم إلى محرّك للإثارة.

الرغبة في كسر التابوهات الاجتماعية والدينية، كنوع من العصيان الرمزي على القيود المفروضة.

الإثارة الناتجة عن الشعور بالمراقبة أو الانكشاف، حيث يلتقي الخوف مع اللذة في بوتقة واحدة.


إلا أن هذه العوامل لا تُعمّم، ولا تُستخدم كتبرير أخلاقي، بل كتفسير نفسي لفهم السلوك الداخلي.

البُعد الأخلاقي: بين الحرية والاحترام



قد يظن البعض أن الحديث عن هذه التخيلات ضربٌ من الانحراف أو المجون، غير أن الموقف الأخلاقي لا يجب أن ينطلق من الإنكار، بل من الفهم والتمييز.
فالخيال – كما يقر علماء النفس – لا يخضع لمعيار “الحرام والحلال” بمقدار ما يخضع لمعيار “التفعيل والفرض”. فأن يتخيّل المرء أمراً ما لا يعني بالضرورة رغبته في فعله، ما لم يتحول الخيال إلى ضغطٍ يُمارَس على الشريك، أو رغبة تُفرَض بغير رضى الطرف الآخر.

وهنا يكمن الفارق الجوهري بين التخيل المشروع والتطبيق المشوّه. فالأخلاق – في هذا الباب – ليست في صمت الخيال، بل في صوت النية، والاحترام، والحدود.

المجتمعات العربية والحياء المقموع



في مجتمعاتنا العربية، التي تتداخل فيها منظومات الحياء، والدين، والعُرف، يصبح الحديث عن مثل هذه التخيلات محفوفًا بالخوف من الوصم، أو الخروج عن السائد. لكن الصمت لا ينفي وجود الشيء، بل يدفنه في طيّات النفس دون فهم أو علاج.

وليس المقصود من تناول هذا الموضوع، الترويج لثقافة جنسية خارجة عن السياق، بل المقصود هو كسر تابوهات الجهل، وفتح باب النقاش حول ما تخبئه النفوس من تعقيد، لئلا يتحول الكبت إلى مرض، أو يتحول الحياء إلى قناعٍ للهشاشة النفسية.

بين الحقيقة والوهم، بين القلب والعقل



يبقى خيال “الكوكلد” كغيره من التخيلات الجنسية، صورةً من صور النفس حينما تبحث عن منافذها في دروب الظل. لكنه ليس حكماً على صاحبه، ولا وصمةً في جبينه. المهم أن يظل في إطاره الآمن، وألا يُستخدم سيفًا على رقاب المشاعر، أو فخًا في خيانة المودة بين الشريكين.

فبين أن تتخيل، وأن تُجسِّد، بَونٌ شاسع لا يقطعه إلا العقل، ولا يضبطه إلا الضمير.

“إنّ النفس لأمّارةٌ بالخيال، كما هي أمّارةٌ بالهوى، لكن العاقل من جعل الخيال جسرًا للفهم، لا هاويةً للضياع.”

🔗 رابط مختصر:

اترك رد