صدى الواقع اليمني – تعز
ثمانية أعوام مضت منذ أن ترجل الفارس المقدام، محمد عبدالله السبئي، أحد القادة الميدانيين الشجعان في جبهة المسراخ، لكن ذكراه لم تخبُ، وصورته لم تغب عن وجدان أبناء تعز وكل من عرف بطولاته ووقفاته الشامخة في وجه مليشيات الحوثي، حتى صار رمزًا خالدًا للمقاومة والتضحية.
ولد الشهيد محمد عبدالله السبئي بين جبال تعز الشماء، وفيها تربى على معاني الكرامة والعزة والنخوة، ونشأ على حب الوطن والدفاع عن المظلومين، ليجد نفسه في قلب المعركة عندما اجتاحت جحافل الإمامة الجديدة، ممثلة بمليشيا الحوثي، قُرى ومدن اليمن، فكان في طليعة من لبّوا نداء الدفاع عن الجمهورية والحرية، ومن أوائل من تصدوا لغزو الموت القادم من كهوف صعدة.
أسد جبهة المسراخ
لم يكن محمد عبدالله السبئي مجرد مقاتل؛ بل كان قائدًا شجاعًا، حاد الذكاء، صلب الإرادة، يعرف كيف يحول كل شبر من الأرض إلى ساحة صمود وموت للغزاة. في جبهة المسراخ التي شكلت إحدى أقسى الجبهات وأشدها ضراوة، برز اسمه بقوة، وسطر ملاحم بطولية قل نظيرها، مكبدًا المليشيات خسائر موجعة في الأرواح والعتاد.
أفاد شهود عيان ومقاتلون رافقوه في ميادين المعارك، أنه في إحدى المعارك العنيفة على أطراف منطقة الأمن المركزي، كان الشهيد يخوض المواجهة بنفسه، ويوجه الرجال عبر الاتصال المباشر، غير آبه بالموت الذي يحلق فوق الرؤوس. “كان يهجم وهو يتحدث للقائد، يقول له: إما أن نكسر الحصار أو نُستشهد”، يتذكر أحد رفاقه بتأثر بالغ.
صوت الشجاعة في الضباب
في عزّ اشتداد الحصار على المدينة من جهة الضباب، كان عبدالله السبئي بين أوائل الرجال الذين اخترقوا الخطوط الأولى للمليشيا، رابطًا مصيره بالنصر أو الشهادة. لم يكن من النوع الذي يبحث عن الأضواء أو يحرص على الظهور الإعلامي، بل كان مؤمنًا أن ما يهم هو الفعل لا القول، العمل لا التصريح.
رحل السبئي دون أن يُكتب عنه الكثير، لم تتناوله عدسات الكاميرات، ولم تُسلط عليه الأضواء، لكنه كان حاضرًا في ميادين الشرف، ثابتًا في مواجهة الرصاص، متقدمًا الصفوف في كل موقع اشتدت فيه الحاجة إلى الفداء.
جنازة تليق بالأبطال
عندما خرجت جنازته قبل ثماني سنوات، كانت الحشود شاهدة على قدره ومكانته، إذ ودّعته الجماهير كما تُودع القادة الكبار، بقلوب دامعة ورايات جمهورية عالية. لم يكن مجرد رجل، بل كان مدرسة في الشجاعة، ومثالاً للفداء، واسماً محفورًا في ذاكرة الأحرار في تعز واليمن عمومًا.
ورغم مرور السنوات، إلا أن الغصّة لم تفارق محبيه، ورفاقه، وأسرته، الذين يرون أن الإعلام لم يُنصفه، ولم يُسلط الضوء الكافي على بطولاته. ورغم كل ما قيل عنه، لا تزال شجاعته ووفاؤه وتعززه بالثوابت الوطنية مغفلة عن التداول، وكأن من واجه الموت واقفًا لا يستحق أن يُذكر!
عبدالله السبئي باقٍ في الذاكرة والوجدان
ليس غريبًا أن تراه – كما يقول أهالي المنطقة – في كل مكان: على جدران المنازل، على جباه التلال، في عيون الأطفال وملامح الأمهات الثكالى. يسمع الناس صدى صوته في الأحياء التي دافع عنها، ويرونه حاضرًا في خطوات كل مقاوم يتجه إلى الجبهة حاملاً بندقيته.
“نراه في الرامة، على رأس الحصن، في الظهرة، في السوق، في المديرية كلها”، هكذا يصفه أحد سكان المنطقة الذين ما زالوا يستلهمون من ذكراه العزة والإصرار على النصر.
يقول أحد رفاقه القدامى:
“كان السبئي لا يرضى بأن يقف خلف الرجال، دائمًا في المقدمة، دائمًا يزرع الثقة في من حوله، وكأن لا شيء يقدر على هزيمته سوى القدر.”
رسالة إلى الذاكرة الوطنية
في ذكرى استشهاده الثامنة، يطالب الكثير من أبناء تعز وكل الأوفياء للثورة والجمهورية، بإعادة الاعتبار لهذا القائد البطل، وتوثيق بطولاته ضمن أرشيف المقاومة الوطنية، وتخليد ذكراه في مناهج التعليم، ليعرف الجيل القادم أن تعز أنجبت رجالًا، وقفوا في وجه المشروع الإيراني الفارسي بصدورهم، ومنعوا سقوط المدينة التي مثلت رمزية كبرى للصمود الجمهوري.
الشهيد عبدالله السبئي لم يمت، بل بقي حيًا في ذاكرة وطنه، في عيون رفاقه، وفي قلوب كل من عرفوه. رحل الجسد، لكن الروح لا تزال تقاتل مع المقاتلين، وتبث فيهم روح الصمود والفداء.
الخلود للشهداء، والشفاء للجرحى، والنصر للمقاتلين، واللعنة على كل من تآمر على هذه الأرض، وأدار ظهره لتضحيات الرجال.