صدى الواقع اليمني – كتب : حسين الشدادي

في المشهد اليمني المعقد، بات من الضروري اليوم مواجهة الحقيقة الموجعة كما هي، دون تزييف أو تجميل. حقيقةٌ تقول إن ميليشيا الحوثي، رغم كل ما تحمله من مشروع ظلامي واستبدادي، هي الجهة الوحيدة بين الأطراف المتصارعة التي تمضي، بخطى ثابتة، في طريق تشكيل كيان يشبه الدولة.

ورغم الرفض الشعبي والسياسي العارم لهذا المشروع الطائفي والسلالي، إلا أن المراقب المتجرد يدرك أن الحوثي يمارس فعلًا مؤسساتيًا – بصرف النظر عن طبيعته أو شرعيته – في مناطق سيطرته: بناء إدارات، إحكام سيطرة أمنية، ضبط موارد، وإدارة إعلامية ممنهجة، بل وحتى “دبلوماسية” تحاكي شكل الدولة، وإن كانت بلا اعتراف دولي صريح حتى الآن.

ما يؤسسه الحوثي ليس دولةً مدنية ولا وطنية، بل كيان شمولي مبني على أيديولوجيا طائفية تعيد اليمن قرونًا إلى الوراء، وتسحق التنوع، وتنسف مفهوم المواطنة المتساوية. هو مشروع إمامي بثوب جمهوري مزيّف، يتغذى على القمع، ويُدار بالعنف، ويُموَّل عبر اقتصاد حرب قائم على الجباية والإقصاء.

ومع ذلك، فإنه كيان آخذ في الترسخ، يوظف أدوات الدولة لبناء نظام بديل، ويُعيد تشكيل وعي الأجيال الجديدة عبر مناهج تعليمية مُسيّسة، وشبكات إعلامية ضخمة، ونسج علاقات مع أطراف خارجية تلتقي معه في العداء للمنطقة والجمهورية اليمنية.

في الضفة الأخرى، تقف “الشرعية” المفترضة، ومعها الأطراف المنضوية تحتها، غارقة في الوهم. لا مشروع حقيقي، لا دولة تتشكل، لا مؤسسات تنهض، لا اقتصاد يُبنى، ولا حتى حد أدنى من الإدارة.
ما نراه هو تآكل شامل لما تبقى من الدولة، ومشهد عبثي لسلطات متناحرة، يتقاذفها الفساد والارتهان، تنخرها الصراعات البينية وتغيب عنها الرؤية والمشروع، ويستبد بها شغف المناصب والامتيازات.

نهبٌ منظم للموارد، وتفكك في المؤسسات، وانعدام ثقة من المواطن، وانفصال تام بين الشعب وقواه السياسية والعسكرية “الممثلة للشرعية”، التي باتت تتصرف كجماعات مصالح، لا كقيادة وطنية.

المخيف في الأمر ليس فقط هذا الواقع القاتم، بل ما قد يتمخض عنه على صعيد السياسة الدولية. فمع استمرار الفراغ وغياب البديل الجاد، يلوح في الأفق شبح “الاعتراف الدولي” بالواقع القائم، مهما كان مجحفًا أو مدمرًا.
فالعالم لا يعترف بالشعارات ولا النوايا، بل بالوقائع على الأرض. وإن ظل الحال على ما هو عليه، فإن الحوثي لن يظل مجرد جماعة متمردة، بل قد يُنظر إليه – على مضض – كسلطة أمر واقع تفرض شروطها.

لقد آن الأوان لصرخة يقظة حقيقية، تعيد تعريف المشروع الوطني الجمهوري، وتُجبر الأطراف في صف الشرعية على الخروج من أوهام التسويات السطحية والارتهان للمصالح الآنية.
ما لم تتشكل رؤية وطنية جامعة، مدعومة بإرادة صلبة، لإعادة بناء مؤسسات الدولة واستعادة ثقة الناس، فإننا مقبلون على كارثة أكبر من مجرد بقاء الحوثي، بل على انهيار ما تبقى من اليمن.

أن المعركة لم تعد فقط عسكرية، بل معركة وعي ومشروع. ومن المؤسف أن الطرف الذي نحاربه يسير في طريق بناء دولته الكارثية، فيما الطرف الذي نسانده يُفكك ما تبقى من الدولة ويتاجر بوهمٍ لا يُسمن ولا يُغني من جوع.

🔗 رابط مختصر:

اترك رد