صدى الواقع اليمني – جليل أحمد
تتناول رواية “الغريب” لألبير كامو قضية الإنسان الذي يرفضه المجتمع ويسعى لمحاكمته أخلاقيًا، لأنه كان صادقًا مع ما يعيشه في تصرفاته.
يتضمن العمل طرح رسالة سامية، وهي أن المجتمع يرفض الحقيقة وإن كانت صادقة، ويفضل المظاهر على حساب الصدق، رغم أنه يمثل قيمة أساسية من قيم الأخلاق. وقد عرض المؤلف هذه الفكرة من خلال شخصية ميرسو، الذي بدا متناقضًا مع المجتمع، إذ يعيش حالة من الاغتراب الإنساني واللامبالاة، وهي الحالة التي قادته إلى المحكمة عندما لم يُظهر تعاطفًا مع وفاة والدته.
مثلت هذه الشخصية الرئيسية في الرواية واقعية سوداوية يرفضها الإنسان أمام عبثية الحياة والعالم من حوله؛ تلك العبثية التي يصل إليها الإنسان من خلال الوعي بالوجود. فالإنسان الذي يطرح أسئلة متكررة عن الوجود والمعنى والحياة، ينشأ لديه شعور بالاغتراب، في ظل الصمت الذي يواجهه عند البحث عن الإجابات. وهكذا، يظهر أن الوعي قد يقود إلى اللامبالاة، تمامًا كما تقود اللامبالاة إلى قبول فكرة الموت بهدوء.
والمجتمع، بدوره، لا يستطيع تقبّل هذه الحقيقة القاسية. فاللامبالاة التي ميّزت ميرسو، بطل الرواية، قادته أيضًا إلى قتل رجل عربي بدم بارد، ودون أن يشعر بوخز ضمير أو تأنيب ذات. وبهذا، يمثّل ميرسو الإنسان الذي قد يصنع منه الوعي إمّا مجرمًا، أو معلمًا روحيًا يرشد الناس إلى المعنى الحقيقي للحياة، بعيدًا عن الفوضى والعبث.
ورغم قِصر الرواية، فإن عمقها طويل الأمد، إذ تسلط الضوء على قضية وجودية مهمة: وهي الإنسان في مواجهة لعنة الوعي، التي قد تقود أصحابها إلى الموت أو الانتحار، عندما يعجزون عن تحمّل ثقل الأسئلة الكبرى في الحياة.