صدى الواقع اليمني – تقرير: خاص
في بلد تتجاذبه الحروب، وتُنهك مؤسساته الفساد والمحسوبيات، تصبح العدالة هدفًا صعب المنال. بل قد تتحول ساحات القضاء – التي شُرّعت لنصرة المظلوم – إلى أداة تمكين للظالم، إذا وقعت تحت هيمنة النفوذ السياسي والمالي.
قصة التاجر اليمني صقر ناجي الحدب من محافظة الجوف هي مرآة معتمة لحالة هذا الواقع المؤلم، حين واجه ماكينة قضائية منتهكة في مأرب، تحوّلت فيها قضيته العادلة إلى مسرح تصفية وحصار، يقوده نافذون محسوبون على تيار الإخوان المسلمين (حزب الإصلاح)، وتُدار أدواته من داخل أجهزة الدولة التي يُفترض أنها حامية للحق.
شراكة تجارية تحولت إلى فخ
بين عامي 2016 و2021، خاض التاجر صقر ناجي شراكة تجارية في المشتقات النفطية مع شخص يُدعى حسن محسن بارع – أحد الشخصيات النافذة والمقرّبة من جماعة الإخوان المسلمين في مأرب – وامتدت تعاملاتهم لأكثر من خمس سنوات دون توثيق مكتوب، مستندين إلى الأعراف القبلية والشفهية، وسط صعوبات الحرب والتهجير.
وفق شهادات وتحويلات بنكية موثقة، أودع صقر مبالغ طائلة بالريال السعودي لدى شريكه، وتمت عمليات شراء ونقل للمشتقات باستخدام ثلاث قواطر مملوكة له. غير أن حوادث الانقلاب والاحتجاز – خاصة في مناطق سيطرة الحوثيين – أدّت إلى خسائر، استغلها بارع للتنصل من التزاماته، والتنكر للشراكة بالكامل.
من الشراكة إلى النكران القضائي
بعد إنكاره للشراكة، لجأ الطرفان إلى أحد المشائخ للوساطة. وهناك وقع حسن بارع على إقرار بعدم وجود شراكة – في محاولة لإسقاط أي مطالب بالأرباح – رغم تناقض ذلك مع مطالبه لاحقًا. عندما لجأ صقر إلى المحكمة، فوجئ بأن خصمه يرفع دعوى مالية ضده أمام القاضي عادل عبدالله الحمزي، مطالبًا بأموال خيالية دون مستندات قانونية.
ورغم تقديم صقر حوالات وإثباتات، رفض القاضي الاستماع لدعوى “خيانة الأمانة” التي رفعها، ووجّه البحث الجنائي بعدم قبول بلاغه، بحجة أن “القضية منظورة أمامه” – وهو خلط غير قانوني بين الدعوى الجنائية والمدنية، ويُعد خرقًا للمادة (14) من قانون الإجراءات الجزائية التي توجب التحقيق في جرائم خيانة الأمانة بشكل مستقل.
الاعتقال دون مسوغ – خرق صريح لحقوق المتقاضي
في يونيو 2023، أصدر القاضي الحمزي قرارًا بالحجز التحفظي على عقارات صقر دون إخطاره، في مخالفة للمادة (307) من قانون المرافعات، والتي تنص على ضرورة إعلام الخصم وإخطاره بالحجز.
تحرك صقر من الجوف إلى مأرب للاعتراض، لكنه أوقف عند نقطة أمنية، ونُقل معصوب العينين إلى جهة مجهولة، وظل مخفيًا 8 أيام في سجن غير قانوني، مما تسبب في إجهاض زوجته وانهيارها النفسي، وهو ما يُعد اختطافًا واحتجازًا غير قانوني وفقًا للمادة (48) من الدستور اليمني، التي تحظر الاعتقال التعسفي.
حينما يصبح المحامي خصمًا
عندما وكّل صقر المحامي عزيز الحمدي للدفاع عنه، لم يكن يعلم أن هذا التوكيل سيكون بداية سقوطه في فخ جديد. استغل المحامي علاقته بالخصم وحصّل على سندات وإيصالات بمبالغ مالية، ثم أجبر موكله على توقيع سند بـ (8800 ريال سعودي)، وسحب (6000 ريال سعودي) إضافية – في سلوك يُصنّف ابتزازًا واستغلالًا للمهنة بالمخالفة لقانون المحاماة اليمني (المادة 31).
الأخطر، أن المحامي ظهر لاحقًا كخصم، وتعاون مع موظفين في نيابة الأموال العامة (ناصر حميدان وجمال القطف) لإعادة فتح دعوى ضد صقر بتهمة “الاعتداء على موظف عام”، رغم أن الوقائع المصورة في قاعة المحكمة كانت تدل على العكس. كاميرات المحكمة تم تغييبها، وهو ما يثير شبهات العبث بالأدلة وتواطؤ إداري.
تغوّل قضائي وإغلاق مصادر الرزق
بعد خروجه من السجن بكفالة، تعرّض الضامن هاني النهمي لعقوبة غير قانونية؛ إذ قام القاضي أمين الطليان بإغلاق محله التجاري، وأرسل أشخاصًا للتضييق عليه – بهدف الضغط عليه للتخلي عن كفالته.
هذه الإجراءات تخالف قانون الضمانات اليمني، الذي يمنع الإضرار بالضامن أو مساءلته خارج حدود الضمان الممنوح، ما يؤكد استغلال النفوذ القضائي في تصفية الحسابات.
الخلاص المؤجل ومحاولة الاستئناف على حق مكتسب
بعد معاناة طويلة، تنحت هيئة المحكمة، وأعاد قاضٍ جديد الملف، فحكم لصالح صقر، ورفض الدعوى المقدمة من حسن بارع، لعدم وجود مستندات قانونية، وأمر برفع الحجز عن ممتلكاته.
إلا أن الحسم لم يكتمل، إذ قُدمت استئنافات استخدمت فيها شاحنات تُستخدم في تهريب المشتقات – ما يثير الشبهات حول استمرار النفوذ الخفي خلف الملف، وعرقلة إنفاذ الأحكام القضائية لصالح صقر.
القاضي الذي أصبح خصمًا.. وتسجيلات فضيحة
وفقًا لصقر، حاول المحامي الحمدي إجباره على توكيل القاضي مجيب الجبري كـ”حَكم”، في صفقة تضمنت تهديدًا غير مباشر: “إما التفويض المطلق أو السجن والخسارة”. وقد تم تسجيل مكالمة للقاضي يؤكد فيها هذا العرض، ما يكشف انحرافًا مهنيًا وأخلاقيًا جسيمًا، ومخالفة للمادة (153) من قانون القضاء اليمني التي تُجرّم تدخل القاضي في أي قضية لا ينظرها بشكل رسمي.
ما كان يجب أن يكون – القراءة القانونية
التمييز بين الجنائي والمدني: كان يجب على القاضي القبول ببلاغ “خيانة الأمانة” كقضية جنائية مستقلة وفق المادة (244) من القانون المدني.
حماية حقوق المتقاضي: الدستور يجرّم الإخفاء القسري والاحتجاز دون أمر قضائي، وكل ما تعرض له صقر من اختطاف مخالف للمادة (48) من الدستور.
رد القضاة المنحازين: المادة (163) من قانون المرافعات تتيح طلب رد القاضي إذا وُجدت قرائن للانحياز أو المصلحة، وهو ما أهملته المحكمة في البداية.
محاسبة المحامين: قانون تنظيم المحاماة يجرّم خيانة الأمانة، ويمنع المحامي من العمل ضد موكله أو استخدام الوثائق الممنوحة له.
استغلال الوظيفة العامة: قانون الجرائم والعقوبات اليمني (المادة 130) يُصنّف استغلال المنصب لإلحاق الضرر بالغير كجريمة تُوجب العقوبة.
نداء إلى ضمير العدالة
قضية صقر ناجي الحدب ليست استثناءً فرديًا، بل نموذجًا لضحايا كُثر يسقطون يوميًا تحت مطرقة الفساد القضائي واستغلال النفوذ الحزبي، خاصة في محافظات تحوّل فيها القضاء إلى جيب سياسي تديره جماعة بعينها.
صقر اليوم يرفع صوته عاليًا أمام هيئة التفتيش القضائي في عدن، مطالبًا بتحقيق شفاف، واستدعاء الشهود، وكشف مصير التسجيلات، ومحاكمة المتورطين – لا لشيء، إلا ليرد اعتباره ويعيد ثقة اليمنيين بعدالة بلادهم.