صدى الواقع اليمني – تقرير: خاص
في حادثة مؤلمة تكشف عن عمق التمييز الاجتماعي والطبقي الذي لا يزال ينهش الجسد اليمني، تعرض المواطن عبده حسان إسماعيل الصعلول، أحد أبناء فئة المهمشين، لاعتداء وحشي بعد خروجه من صلاة الجمعة، على يد مجموعة من أبناء القبائل في منطقة يفرس، مركز مديرية جبل حبشي، بمحافظة تعز. الاعتداء جاء في سياق أزمة مياه خانقة تعاني منها المنطقة، وتحول خزان ماء خيري إلى شرارة فتنة اجتماعية لا تزال آثارها قائمة حتى لحظة كتابة هذا التقرير.
الواقعة: شربة ماء تُسيل الدماء
القصة بدأت عندما بادر فاعل خير بتوفير خزان مياه سعة كبيرة ووضعه في مزرعة المواطن أكرم عبد الولي محمد الجرافي، الذي يملك بئراً خاصاً في منطقة وادي قرحة، بهدف توفير الماء للشرب لفئة المهمشين القاطنين في أطراف منطقة يفرس، والذين يعانون ظروفاً معيشية قاسية في ظل الجفاف وشح المياه.
بالاتفاق مع الجرافي، بدأ أبناء الفئة المهمشة باستخدام الخزان. ولتأكيد وصول المساعدة، قام الجرافي بتصوير نساء وأطفال من المهمشين وهم يغترفون الماء، زاعماً أن التصوير لغرض تقديمه لإحدى المنظمات التي ستوزع سلل غذائية على المستفيدين.
غير أن ماجد عبده حسان الصعلول، وهو من أبناء الفئة المهمشة، اعترض على التصوير، واعتبره إذلالاً وإهانة للفئة بأكملها، خاصة وأنه لم يُبلغ أحد بوجود أي مساعدات غذائية، وأكد أن الحديث عن منظمة وسلَل غذائية ما هو إلا كذبة هدفها توثيق استفادة المهمشين من الخزان لصالح الجرافي أو فاعل الخير.
تحول النقاش إلى اعتداء دموي
وفقاً لشهود عيان، تطوّر النقاش بين الصعلول والجرافي إلى مشادة كلامية، بعد أن سأل الصعلول:
“أين السلل الغذائية التي وعدتم بها؟ لماذا تصورون نساءنا؟ هل ستقبلون أن نطلب من زوجاتكم أو أمهاتكم الظهور أمام الكاميرا؟”
ردود مستفزة من الجرافي ورفاقه أعادت إنتاج طبقية عنصرية مهينة، حيث قال أحدهم للصعلول:
“ليش ما جبت زوجتك وأمك تصور معهن؟”
الكلمات تحولت إلى لكمات، حيث انهال أكرم عبد الولي الجرافي، ومعه كل من عمر عبد السلام الجرافي، وديع عبدالسلام الجرافي، أدهم محمد عبده سنان العردي، مروان علي عبده مهيوب المناشي، وأحمد رقيب العردي، على عبده حسان إسماعيل الصعلول بالضرب المبرح مستخدمين “شاكوش” (مطرقة) كانت مخصصة للمسامير، ما تسبب له بإصابات بالغة.
تم إسعاف المصاب إلى مستشفى الثورة في مدينة تعز، حيث تلقى العلاج، إلا أن المفاجأة الأكبر كانت في قيام مدير قسم شرطة يفرس مازن البريهي باحتجاز المصاب داخل المستشفى، بدلًا من حمايته وملاحقة الجناة.
المهمشون بين فكين: الرصاص والحصار
في أعقاب الحادثة، تصاعد التوتر في قرية المهمشين الواقعة في أطراف يفرس، حيث بدأت منازلهم تتعرض لإطلاق نار من قبل مسلحين تابعين للطرف المعتدي. مصدر محلي أفاد أن القرية أصبحت محاصَرة فعليًا من قبل عصابات مسلحة مرتبطة بالجرافي، وسط تواطؤ أو صمت مريب من السلطات الأمنية في المديرية.
نساء وأطفال المهمشين يعيشون حالة من الرعب، إذ تم تهديدهم صراحة بعدم الخروج من منازلهم. بعض الأهالي بدأوا النزوح المؤقت إلى مناطق مجاورة خوفاً من تفجر الوضع بشكل أكبر، بينما تداعى رجال المهمشين لحماية أسرهم رغم قلة عددهم وضعف تسليحهم.
دور الشرطة: انحياز فج للمتنفذين
المؤسف في هذه القضية، كما أكدت مصادر متعددة، أن شرطة يفرس لم تتخذ أي إجراءات قانونية ضد المعتدين، رغم وضوح هويتهم وشهادات الشهود. بل على العكس، قامت باحتجاز الضحية للتحقيق، في مشهد يعكس الانحياز الصارخ لصالح الطرف الأقوى اجتماعيًا واقتصاديًا.
ولم يتم حتى اللحظة إصدار مذكرة ضبط لأي من الأسماء التي وردت في البلاغات المقدمة من قبل سكان قرية المهمشين.
أزمة تتجاوز الجريمة إلى التمييز البنيوي
الحادثة ليست مجرد اعتداء عابر، بل هي انفجار مكبوت لوضع اجتماعي مختل يتقاطع فيه الجفاف المائي مع الجفاف الإنساني. فئة “المهمشين” في اليمن، ورغم عشرات السنوات من الشعارات الثورية والدعوات للمساواة، لا تزال تعاني من الاستبعاد، والعزلة، والإهانة المجتمعية المتكررة.
في هذه الحالة، لم تكن المشكلة مجرد خلاف على خزان ماء، بل على كرامة إنسانية حاول طرف استغلالها إعلامياً، فكان الرد من الطرف الأضعف مشروعاً ومحترماً، لكن النتيجة كانت مأساوية.
رسالة مفتوحة للمجتمع والدولة
أين القانون عندما يتحول الاعتداء إلى فعل جماعي أمام المارة؟
أين الدولة عندما يُحتجز المظلوم ويُترك الجناة أحراراً؟
إلى متى ستظل الفئة المهمشة وقوداً لعنصرية مقيتة لا يعترف بها أحد ولكن يمارسها الجميع؟
من يحاسب رجل أمن ينحاز لطرف الجريمة؟ وأين دور السلطة المحلية في مديرية جبل حبشي؟
عندما تُداس الكرامة مقابل شربة ماء
ما جرى في يفرس ليس مجرد حادث عارض، بل قصة محزنة عن يمنٍ يموت فيه المساكين مرتين: مرة بالعطش، ومرة بالقهر. وبينما يتمسّك المتنفذون بامتيازاتهم الطبقية، تستمر الدولة – للأسف – في الانحياز لأصحاب المال والنفوذ، وترك البسطاء لمصيرهم.
هذه الواقعة يجب أن تكون ناقوس خطر للمجتمع، للقانون، وللضمير اليمني الحي، إن تبقى منه شيء.