صدى الواقع اليمني – كتب : حسين الشدادي

في بلد كاليمن، ليس غريباً أن تتحول المفاهيم الاقتصادية البسيطة إلى ألغاز عصية على الفهم، ليس لسبب سوى أن الجهل بقوانين السوق يخيّم على شريحة واسعة من الناس، ناهيك عن غياب الثقة وتغليب العاطفة على المنطق في النقاشات العامة.

قبل أيام، فتحت نقاشاً على فيسبوك حول ظاهرة اقتصادية مكرورة: لماذا لا تنخفض أسعار السلع مع انخفاض سعر صرف الدولار أو الريال السعودي؟ الأمر الذي يفترض أن يؤدي إلى تراجع تكاليف الاستيراد وبالتالي تراجع الأسعار على المستهلك. لكن ما وجدته من الردود كان في معظمه ساذجاً، أو مكروراً بطريقة ببغائية من منشورات أشخاص بعينهم، كعلي البخيتي، حيث يتقبلها العامة منه كأنها وحي منزل، بينما تُرفض لو جاءت من شخص بسيط مثل كاتب هذه السطور، رغم أنها نفس الفكرة، بنفس الكلمات، بنفس المنطق.

لكن ثمة ما لا يعرفه كثير من هؤلاء، وربما لا يعرفه علي البخيتي نفسه، وهو أن التاجر الحقيقي لا ينظر إلى المخزون السلعي كعبء ثقيل يتخلص منه بأي ثمن، بل ينظر إليه باعتباره “رأس المال” بعينه، تماماً كما تنظر أي شركة محترمة إلى أصولها المتداولة.

خذ على سبيل المثال كيس البر (القمح): إذا كان التاجر قد اشتراه سابقاً بمبلغ 50 ألف ريال يمني حين كان سعر صرف المائة ريال سعودي يعادل هذا المبلغ، فباعه للمستهلك بـ60 ألف ريال، فهو قد حقق ربحاً معقولاً. الآن، إذا انخفض سعر الصرف، وأصبحت المائة ريال سعودي تساوي 20 ألف ريال يمني فقط، فإن سعر شراء نفس الكيس من السوق الخارجية أصبح 20 ألف ريال. فهل من المنطقي أن يستمر التاجر ببيع مخزونه القديم بخمسين أو ستين ألفاً؟ بحجة أنه اشتراه بالسعر القديم؟

الواقع أن هذا المنطق يفتقر إلى أبسط قواعد الفهم الاقتصادي. فالتاجر لا يخسر إذا باع السلعة بسعر السوق الجديد، لأن القيمة الحقيقية لرأس ماله تُقاس بسعر التعويض، أي كم سيكلفه استبدال المخزون بعد بيعه. فإذا كان بإمكانه اليوم أن يشتري كيس البر من جديد بـ20 ألف ريال، فلماذا يبيعه للناس بأكثر من 30 ألف ريال؟

الخلاصة: التجارة ليست لعبة حفظ للأموال في الخزائن، بل فنّ تدوير رأس المال وتحقيق الربح من خلال البيع والشراء وفق قواعد السوق المتغيرة. أما من يصرّ على بيع المخزون بأسعار الصرف القديمة رغم التغيّر الجوهري في السوق، فإما أنه يجهل أبجديات الاقتصاد، أو أنه يستغل غياب الفهم العام لدى المستهلك اليمني ليستمر في تضخيم أرباحه على حساب جيوب الناس المنهكة.

ورسالتي للناس: لا تكونوا متلقين سلبيين، تعلّموا ما يعنيه السوق، وفهموا أن “رأس مال التاجر الحقيقي هو بضاعته، لا أوراقه النقدية”، فإذا انخفضت تكاليف الاستيراد، فمن حقكم أن تطالبوا بخفض الأسعار، لا أن تصمتوا وتنتظروا حتى يتكلم علي البخيتي.

🔗 رابط مختصر:

اترك رد