صدى الواقع اليمني – كتب: حسين الشدادي
لم يكن بيان مليشيات الحوثي عن ضبط “جهاز تجسس” من نوع ستارلينك سوى انعكاس لحالة الهلع التي تصيب الجماعة كلما لاح في الأفق تهديد لاحتكارها شبكة الاتصالات والإنترنت في اليمن فمنذ سيطرتهم على صنعاء عام 2014، فرض الحوثيون قبضتهم على يمن نت، المزود الوحيد للإنترنت في البلاد، وأحكموا سيطرتهم على تدفق المعلومات، وحوّلوا الشبكة إلى مصدر هائل للإيرادات المالية وأداة فعالة للتجسس على خصومهم، بما في ذلك قيادات الحكومة الشرعية في المناطق المحررة.
دخول ستارلينك إلى المشهد يعني تحطيم هذا الاحتكار، وفتح نافذة تواصل مباشر مع العالم عبر الأقمار الصناعية، دون المرور بخوادم صنعاء. وهذه النافذة لا تسرق فقط مليارات الريالات التي تجنيها المليشيات سنوياً من الاتصالات، بل تسحب من أيديهم أهم أدوات الرقابة والملاحقة الأمنية.
التجربة الأوكرانية مع “ستارلينك” تكفي لتوضيح الصورة: هناك، لعب الإنترنت الفضائي دوراً محورياً في التواصل الميداني، وتوجيه الطائرات المسيرة، ونقل المعلومات الاستخباراتية في زمن الحرب. وفي اليمن، يدرك الحوثيون أن السماح لمناطق الشرعية أو حتى المواطنين داخل مناطقهم بالوصول إلى شبكة آمنة وسريعة خارج نطاق سيطرتهم، سيعني نهاية قدرتهم على التجسس والتعتيم الإعلامي، ويمنح خصومهم ميزة استراتيجية في الميدان.
لهذا، يصف الحوثيون الجهاز بأنه “أداة تجسس”. في الحقيقة، الخطر ليس في وجود ميكروفون أو كاميرا خفية بداخله، بل في قدرته على كسر جدار الحصار المعلوماتي الذي بنته الجماعة خلال عقد كامل. فالإنترنت الحر بالنسبة لهم هو أخطر من الصواريخ، لأنه يكشفهم للعالم، ويحرمهم من أسرار خصومهم، ويفتح الباب أمام انهيار أهم ركائز سلطتهم.