صدى الواقع اليمني – كتب: حسين الشدادي

في عالم تتسارع فيه المتغيرات الاجتماعية والعلمية، تظل بعض القضايا محل جدل واسع، لا سيما حين تتقاطع مع العادات والتقاليد والدين والقانون، ومن أبرز هذه القضايا في مجتمعاتنا العربية، وفي اليمن على وجه الخصوص، قضية المثلية الجنسية، التي تُواجَه عادة برفض قاطع، مصحوب بوصفها بأنها مرض أو انحراف أو “شذوذ”، غير أن البحث العلمي الحديث يقدّم صورة مغايرة تمامًا، تستحق التأمل والمراجعة بعيدًا عن الانفعالات والمسلّمات.

المثلية في عين العلم



منظمة الصحة العالمية والجمعيات النفسية العالمية أجمعت منذ عقود على أن المثلية الجنسية ليست مرضًا ولا اضطرابًا نفسيًا. فقد أُزيلت من تصنيفات الاضطرابات النفسية في دليل التشخيص الأميركي عام 1973، وتبعتها منظمة الصحة العالمية عام 1990. وهذا يعني أن الميول المثلية لا تُعدّ حالة تحتاج إلى “علاج”، وإنما هي جزء من التنوع الطبيعي للانجذاب الجنسي بين البشر.

الدراسات الحديثة تؤكد أيضًا أن الميول الجنسية ليست قرارًا إراديًا، بل تتداخل فيها عوامل بيولوجية ونمائية ونفسية معقدة. وبذلك، يصبح من غير الدقيق اختزالها في أنها “خيار” أو “نزوة”، كما يُشاع في الأوساط الشعبية.

أين ينشأ الأذى النفسي؟



المشكلات النفسية التي قد يعاني منها المثليون في مجتمعات محافظة، لا تعود إلى ميولهم نفسها، وإنما إلى الضغط الاجتماعي والوصم والتمييز. هذا ما يُعرف في علم النفس بـ”الضغط الأقلوي” (Minority Stress)، حيث يعيش الفرد حالة دائمة من الخوف والقلق بسبب احتمالية رفض المجتمع أو ملاحقة القانون. الدعم الأسري والاجتماعي هنا يلعب دورًا محوريًا في تقليل هذه الأعباء وتحسين الصحة النفسية.

البُعد القانوني في اليمن



إذا كان العلم قد حسم الجدل في توصيف المثلية، فإن الواقع القانوني في اليمن يظل شديد القسوة. فالقوانين المحلية تُجرّم العلاقات المثلية الرضائية بين البالغين، بل تصل العقوبة في بعض النصوص إلى الإعدام. وهذا الواقع يفرض على المثليين سريةً مطلقة في حياتهم الخاصة، خشية الوقوع ضحايا للقانون أو للمجتمع.

الصحة الجنسية: بين المسؤولية والوقاية



بعيدًا عن الأحكام المسبقة، لا بد من التذكير أن أي علاقة جنسية – سواء كانت مغايرة أو مثلية – تحتاج إلى شروط الصحة والسلامة. أهمها:

أن تقوم على الرضا الكامل بين بالغين راشدين.

استخدام الوسائل الوقائية مثل الواقيات.

إجراء فحوصات دورية للأمراض المنقولة جنسيًا.

تجنّب الممارسات عالية المخاطر.


المنظمات الصحية العالمية توصي أيضًا باستخدام العلاج الوقائي قبل التعرّض (PrEP) في بعض الفئات الأشد عرضة، حيثما كان متاحًا، كوسيلة فعالة للحد من انتشار فيروس نقص المناعة المكتسبة (الإيدز).

الخصوصية والأمن الرقمي



في ظل واقع قانوني واجتماعي معقّد مثل اليمن، تزداد أهمية الخصوصية الرقمية. فتوثيق العلاقات أو مشاركة الصور والمقاطع الخاصة يشكل خطرًا كبيرًا، سواء من ناحية الابتزاز أو من ناحية الملاحقة القانونية. ومن هنا، فإن نصيحة البعض لأصدقائهم المثليين بعدم الاحتفاظ بأي محتوى حميمي تبدو خطوة بالغة الحكمة.

صوت مختلف في مجتمع محافظ



وسط كل هذا الرفض المجتمعي، يظهر صوت جديد أكثر عقلانية وإنسانية: صوت يدعو إلى النظر للمثليين كـبشر متساوين في الكرامة، لم يختاروا ميولهم، وإنما وُجدوا بها، ولا يطلبون سوى أن يعيشوا حياتهم الخاصة دون ملاحقة أو تحريض. هذه الرؤية لا تعني بالضرورة الدعوة إلى العلنية أو تغيير القوانين في مجتمع لا يزال بعيدًا عن قبول ذلك، لكنها على الأقل تفتح بابًا لفهم مختلف قائم على الرحمة والعقل والعلم.


المثلية الجنسية قضية معقدة في مجتمعات مثل اليمن، حيث تتصادم الحقائق العلمية مع البنية الاجتماعية والدينية والقانونية. لكن الثابت أن العلم حسم الجدل: المثلية ليست مرضًا ولا انحرافًا، بل تنوع إنساني طبيعي. التحدي الحقيقي يكمن في كيفية التوفيق بين هذه الحقيقة العلمية وبين واقع مجتمعي شديد التحفظ.

إن الطريق إلى ذلك يبدأ من الوعي: أن ندرك أن الآخر ليس عدوًا ولا “شاذًا”، وإنما إنسان له حقوقه وكرامته. وما بين الرفض القاطع والتبني المطلق، هناك مساحة واسعة من التفهم والاحترام والسرية والمسؤولية، لعلها تشكل الخطوة الأولى نحو رؤية أكثر عدلاً وإنصافًا.

🔗 رابط مختصر:

اترك رد