صدى الواقع اليمني – كتب: حسين الشدادي

منذ بداية الحضارة الإنسانية، ارتبطت القيم الاجتماعية والدينية بسلوكيات الإنسان وفق ما عرفه المجتمع من العادات والتقاليد، لكن مع تطور العلم، أصبحت معايير تقييم الفعل البشري تقوم على دراسة دقيقة للآثار الجسدية والنفسية والاجتماعية للفعل نفسه، بعيداً عن ما هو متوارث أو مألوف. وفي هذا السياق، يظهر تناقض صارخ بين الموروث الإسلامي فيما يتعلق بزواج القاصرات والسلوكيات الجنسية، وبين النتائج العلمية الحديثة.

في اليمن، كما في عديد المجتمعات الإسلامية، يُنظر إلى زواج القاصرات على أنه أمر مباح شرعاً، مستندين إلى سيرة النبي محمد ﷺ، الذي تزوج من عائشة وهي فتاة قاصر، وفق روايات صحيحة متفق عليها في الصحيحين. وهنا تبدأ مفارقة مذهلة: النبي ﷺ الذي يُفترض أن يكون معصوماً عن الخطأ، قام بالفعل الذي يعرفه العلم الحديث الآن على أنه مضر جسدياً ونفسياً للقاصر، ويعد جريمة في أي مجتمع متقدم علمياً.

فالحقيقة العلمية اليوم تقول إن الزواج المبكر للفتيات يسبب تمزق الأنسجة، نزيفاً داخلياً، مضاعفات صحية قد تؤدي للوفاة أثناء الحمل أو الولادة، وصدمات نفسية طويلة الأمد. هذه نتائج مثبتة عبر الدراسات الطبية والبحوث النفسية، وتشهد عليها مؤسسات علمية عالمية، مثل منظمة الصحة العالمية. بينما الرواية الدينية تنظر للفعل باعتباره حلالاً ومرغوباً لأنه نموذج للنبي المعصوم، وهو ما يبرر استمرار هذه الممارسة في مجتمعات مثل اليمن.

في المقابل، إذا نظرنا إلى قضية المثلية الجنسية، نجد تناقضاً غريباً في الحكم الديني. فقد ورد في القرآن الكريم قصة نبي الله لوط، الذي كافح سلوك اللواط المنتشر في زمانه باعتباره خروجاً عن الفطرة والشرع. والمثير أن العلم الحديث يرى اليوم أن السلوك المثلي طبيعي فطري، لا يشكل ضرراً على الصحة الجسدية أو النفسية للفرد، ولا على المجتمع، بل هو جزء من التنوع البشري الذي خلقه الله. هنا يتضح تناقض صادم: النبي محمد ﷺ في زمانه، وفق الموروث، مارس سلوكاً ضاراً اجتماعياً وجسدياً (زواج القاصرات)، بينما لوط حارب سلوكاً طبيعياً وغير ضار (المثلية الجنسية).

إن هذا التناقض يطرح سؤالاً محورياً: لماذا لم يتلق النبي محمد ﷺ، وفق الموروث الديني، تعليمات من الله سبحانه وتعالى تمنع ظاهرة الزواج المبكر المنتشرة في مجتمعه، رغم أن أضرارها الجسدية والنفسية كانت موجودة، ولو لم تكن معروفة علمياً كما اليوم؟ وكيف يُمكن لمجتمع أن يتوارث حكماً على فعل خطير ومعيب ويعتبره نموذجاً؟

الحقيقة أن هذا التناقض يكشف عن فجوة بين النص الديني القديم والمعايير العلمية الحديثة، ويضع الممارسات الاجتماعية في مواجهة مباشرة مع الحقائق الطبية والنفسية والحقوقية. بينما يظل المجتمع الإسلامي متأثراً بالموروث الديني، يرى العلم الحديث أن الزواج المبكر جريمة ضد القاصر، بينما السلوك المثلي لا يشكل أي ضرر.

إن مواجهة هذا الواقع تتطلب شجاعة فكرية وإعادة تقييم للمعايير الاجتماعية والدينية بما يتوافق مع الحقائق العلمية، حقوق الإنسان، وحماية الطفولة، بعيداً عن التأويل التقليدي الذي يجعل من النموذج التاريخي للنبي ﷺ معياراً مطلقاً لكل زمان ومكان، بما في ذلك أفعال أضرت بالإنسان منذ عقود وعصور.

🔗 رابط مختصر:

اترك رد