صدى الواقع اليمني – كتب : حسين الشدادي
في عصر تتداخل فيه الأعمال المالية والتجارة العابرة للحدود، يبرز سؤال جوهري حول مشروعية الأموال وكيفية اكتسابها. فالمال ليس حلالاً بمجرد امتلاكه، بل يُقيّم من منظور مصدره ووسائل تحصيله وأثره الاجتماعي.
طرق الكسب غير المشروع
يمكن أن يكون المال مكتسبًا بطرق محرمة تتنوع بين:
1. الاحتيال المالي والتلاعب بالضمانات:
حيث يقترض شخص مبالغ من البنوك أو المؤسسات المالية مقابل أصول لم يمتلكها بعد، مستخدمًا ضمانات مستقبلية أو أموال القرض نفسه، وهو ما يُعد تحايلاً صريحًا على المال العام أو الخاص.
2. استغلال النفوذ والفساد الإداري:
أي استثمار العلاقات الشخصية أو السياسية للحصول على مزايا اقتصادية أو تصفية مصالح على حساب القوانين، بحيث تتحول العملية إلى استحواذ غير مشروع على أصول وممتلكات عامة أو خاصة.
3. التهريب غير القانوني للأموال:
أي نقل الأموال خارج نطاق الدولة بطرق مخالفة للقوانين المالية والرقابية، مما يحرم المجتمع من موارده ويخرّب النظام الاقتصادي، ويعدّ من صور الغش والظلم التي نصّ عليها الإسلام.
4. التعامل الربوي:
أي الحصول على المال من خلال قروض بفوائد ثابتة أو مضاعفة، وهو ربا صريح حرّم القرآن التعامل به، فقال تعالى:
“وأحل الله البيع وحرم الربا” (البقرة: 275).
كما جاء في الحديث النبوي:
“لعن الله آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه…” (رواه مسلم).
حرمة الانتفاع بالمال الحرام
ليس المال الحرام محصورًا في كونه مكتسبًا بطرق محرمة فقط، بل يشمل الانتفاع به بعد معرفته بمصدره.
فمن قبِل مالاً يعلم أن مصدره حرامًا — سواء بالفساد أو الربا أو التهريب — فهو شريك في الإثم، ولو لم يباشر فعل الكسب الأصلي، كما جاء في القرآن الكريم:
“ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقاً من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون” (البقرة: 188).
ويدعم الحديث الشريف هذه القاعدة:
“كل جسد نبت من سحت فالنار أولى به” (رواه البخاري).
والسحت هنا يشمل جميع الأموال المكتسبة بالباطل أو الظلم أو الغش أو استغلال النفوذ.
الآثار الأخلاقية والاجتماعية
المال الحرام لا يقتصر ضرره على الفرد، بل يمتد إلى المجتمع بأسره:
يخلق طبقة رفاهية قائمة على الفساد، مما يشوّه العدالة الاقتصادية.
يحول الثروة من وسيلة لبناء المجتمع إلى أداة للسيطرة والهيمنة على الموارد.
يزرع ثقافة الاعتماد على المال غير المشروع بدل العمل المشروع، مما يضر بالقيم والأخلاق العامة.
رأي الفقهاء
أجمع الفقهاء من مختلف المذاهب على أن:
المال الحرام لا يطهر بتبدل الأيدي، حتى لو أُعطي هبات أو صُرف في مصالح شخصية.
يجب على من علم أن المال حرام التخلّص منه في وجوه مشروعة مثل الصدقة للمحتاجين، دون نية التقرب إلى الله، كآلية لتطهير الذمة.
كل من ينتفع بالمال الحرام عن علمٍ بمصدره يكون مشتركًا في الإثم، ويجب عليه الحذر والردع الذاتي.
المال مشروع إذا حصل بالوسائل الشرعية ووفق أحكام الإسلام، أما المال الذي يُكتسب بالغش، الربا، استغلال النفوذ، أو التهريب فهو حرام، والانتفاع به حرام أيضًا إذا كان المأخوذ يعلم مصدره، والواجب على المنتفع أن يتخلّص منه أو يردّه إلى أهله أو يُنفقه في وجوه مشروعة.
الدرس الأهم من الفقه الإسلامي: الشرعية المالية ليست مجرد شكل المعاملة، بل هي جوهرها وأثرها على الفرد والمجتمع. المال الحلال يُعطي حياة مستقرة ومجتمعًا عادلاً، بينما المال الحرام يُفرّغ القيم ويزرع الفساد ويخلق أجيالًا تعتمد على الغش والتسلط المالي.

