صدى الواقع اليمني – متابعات
في مشهدٍ صادمٍ تناقلته منصات التواصل الاجتماعي، ظهر رجل أمن سعودي داخل الحرم المكي الشريف وهو يجرّ امرأة مصرية بطريقة مهينة، بينما حاول زوجها التدخل لوقف الإهانة، فكان نصيبه هو الآخر الاعتداء والاعتقال.
تلك اللقطات القصيرة، التي وثّقها أحد المعتمرين اليمنيين، لم تثر غضباً مصرياً فحسب، بل هزّت ضمير المسلمين في أنحاء العالم، لأن ما جرى لم يقع في شارع عابر، بل في أقدس بقاع الأرض التي يفترض أن تكون رمزاً للأمان والرحمة والمساواة أمام الله.
أن يُهان إنسان داخل المسجد الحرام هو إسقاط رمزي لمعنى الأمان الذي ارتبط بمكة منذ فجر التاريخ، حين جعلها الله حرماً آمناً.
الاعتداء على معتمر أو معتمرة، مهما كانت المبررات الأمنية، لا يمكن تبريره أخلاقياً ولا شرعياً ولا قانونياً.
فالإنسان داخل الحرم لا يفقد صفته كمخلوق مكرّم، بل يزداد شرفاً بوجوده في مكان عبادة عالمي الطابع.
ما جرى لا يُعد حادثاً فردياً معزولاً، بل مؤشراً مقلقاً على تكرار سلوكيات أمنية تتجاوز حدود المهنية والاحترام. وحين تتكرر الانتهاكات دون محاسبة، فإن الصمت الرسمي يتحول عملياً إلى تواطؤ ضمني يضرب في عمق صورة الدولة التي تصف نفسها بـ«خادمة الحرمين الشريفين».
القوانين السعودية نفسها تجرّم الاعتداء على أي شخص دون مسوغ قانوني، وتمنع مصادرة الممتلكات الشخصية — مثل الهواتف — إلا بأمر قضائي أو أثناء تحقيق رسمي.
ما قام به رجل الأمن من منع التوثيق ومصادرة الهاتف يمثل انتهاكاً واضحاً لـ«نظام الإجراءات الجزائية» و«نظام العقوبات التأديبية للعسكريين».
لكن التجربة الواقعية، كما يشهد كثير من المقيمين والزوار، تُظهر أن العدالة في المملكة كثيراً ما تنحاز إلى رجل الأمن على حساب المواطن أو المقيم، وكأن الجهاز الأمني محصّن من المساءلة.
هذه الثقافة المؤسسية تجعل من رجل الأمن سلطة فوق القانون، وتحوّل مفهوم الأمن من حمايةٍ للإنسان إلى هيمنةٍ على الإنسان.
ما يثير الخوف في وجدان المسلمين ليس فقط مشهد الاعتداء ذاته، بل إحساسهم بأن الكرامة الإنسانية قد لا تكون مصونة حتى في أطهر بقاع الأرض.
فكيف يمكن لمؤمن أن يؤدي العمرة بخشوع وهو يخشى أن يتحول خطأ بسيط أو سوء فهم إلى مشهد إذلال؟
وكيف يمكن للعالم الإسلامي أن يصدق أن مكة ما تزال «حرماً آمناً» إذا تكررت هذه الحوادث دون ردع أو اعتذار؟
القدسية ليست جدران الكعبة، بل سلوك الإنسان فيها.
وإذا غابت الرحمة في المكان الذي نزل فيه الوحي، فبأي وجه سيُطلب من الناس احترام قدسيته؟
لقد آن الأوان أن تُجري السلطات السعودية مراجعة عميقة وجادة لثقافة التعامل الأمني داخل الحرم والمشاعر المقدسة.
التحقيق الشفاف والعقوبة الصارمة لأي متجاوز ليست خصومة مع رجل الأمن، بل انتصار لقدسية المكان وهيبة الدولة نفسها.
كما أن على المجتمع الدولي والمنظمات الإسلامية أن تطالب علناً بضمان معاملة المعتمرين والحجاج وفق المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، لأن من يزور بيت الله لا ينبغي أن يخشى سوى الله.
حادثة المعتمر المصري وزوجته ليست مجرد قصة مؤلمة، بل جرس إنذار بأن الأمن بلا إنسانية يتحول إلى قمع، وأن القدسية بلا عدالة تفقد معناها.
إذا لم تُحاسب الأيادي التي أهانت ضيفي الرحمن، فإن مكة — وهي أطهر أرض — ستتحول في نظر المسلمين إلى مكانٍ يقدّس الحجر ويهين البشر.

