صدى الواقع اليمني – كتب: حسين الشدادي
جملة تتردد في المجتمع اليمني الإسلامي يوميًا، في المنازل، وفي المجالس، وعلى ألسنة المذيعين والخطباء: “الحمد لله على نعمة الإسلام”!!
جملة توحي بأنهم في ذروة الحضارات الإنسانية، يعيشون في ظل منظومة قيمية تفيض عدلاً ورحمة وصدقاً وأمانة
لكن الواقع يحكي عكس ذلك تماماً!!
لقد عدتُ إلى وطني بعد خمس سنوات من الغربة في المملكة العربية السعودية، حيث عملت في الميدان الصحفي، على خطوط النار في جبهات القتال الحدودية. خمس سنوات من الغربة والمخاطرة، عدتُ بعدها أحمل حصيلة جهدي وتعب غربتي، مبلغ مالي معتبر اخترت الزراعة تحديداً زراعة القات باعتبارها المشروع الأكثر رواجاً وربحية في بيئتي المحلية عقدت اتفاقاً واضح البنود مع مزارعٍ من منطقة ماوية: أنا أتكفل بالأرض والحراثة والشتلات ومشروعات المياه والتجهيزات، وهو يتولى رعاية الزرع والسقي والمبيدات والأسمدة، على أن تكون الأرباح مناصفة.
نفذت ما عليّ، دفعت تكاليفي بالكامل، واستنفدت مدخراتي. وعندما جاء وقت الوفاء، تنصّل الرجل من الاتفاق، رغم وجود وثيقة رسمية موقّعة بيننا، بل وانقلبت الشكوى عليّ، وصدر حكم بإلزامي بدفع ألف ريال سعودي له “أتعاباً”!
ومع توالي الخيبات، اتفقت مع مالك بئرٍ لتزويدي بالمياه، وموزع ديزل، ومكتب مبيدات، جميعهم تسلموا دفعات مقدمة بالريال السعودي، على أن أفي بالباقي بعد بيع المحصول لكنهم بدورهم أخلّوا بالتزاماتهم: صاحب البئر منع عني الماء، وموزع الديزل سلّمني وقوداً بقدر المبلغ فقط، ومكتب المبيدات اكتفى بما قبضه.
كانت مزرعتي على حافة الانهيار، فاضطررت لإدخال شريكٍ جديد، منحته ربع الملكية مقابل تمويل مرحلة التربية المتبقية وعندما بدأ المشروع يثمر، ظهر فجأة من يدّعي أن عندي له ديناً لقاء شتلاتٍ شجرة القات وأنا لم أتفق معه عليها أساساً، ليتم اقتيادي إلى الأمن، وإجباري على التوقيع على ورقة تلزمني بدفع عشرة آلاف ريال سعودي “ديناً” لم أره.
دفعت على مضض، وسددت ما لم أستدن، وما زلت اليوم أعاني من شحّ المياه، رغم أنني دفعت ربع تكلفة مشروع المياه الذي يزود الوادي بأكمله بالمياه من آبار بعيدة والمفارقة أن من يمنعني عن الماء يدعي ملكيته للمشروع الذي لم يسهم في انشاؤه بريالٍ واحد.
وخلال كل ذلك، حين كنت أذهب إلى جلسات التحكيم العرفي، كان القضاة، والخصوم جميعهم، يقطعون النقاش لإقامة الصلاة!!…
وحين يعودون، للمقيل يعود الظلم ذاته، واللامبالاة ذاتها، كأنما صلاتهم طقسٌ لا يغيّر شيئاً في ميزان العدل.
عند هذه النقطة، يتبادر سؤالٌ ملحّ:
إذا كان الإسلام قد جاء ليقيم القسط بين الناس، ويرسّخ الأمانة والعدل، فكيف تحولت المجتمعات التي ترفع شعاره إلى ساحاتٍ تزدحم بالتحايل، والخيانة، والاستغلال؟
ما معنى أن تحمدوا الله على “نعمة الإسلام” و أنتم تمارسون نقيضه في تفاصيل حياتكم اليومية؟
ربما آن الأوان لأن للسؤال بصراحة:
هل الإسلام نعمة ب مضامين العدل و الصدق و الأمانة والأخلاق الحميدة… أم أنه نعمة لكونه خدعة ناجحة مكنتكم من التحايل عبره على الناس …
يبدو من خلال الواقع لا من خلال انطباع شخصي أنه خدعة ناجحة و تستمد بقائها بشرعية مستمدة من داخل الخدعة نفسها..
إن الشعوب التي لم تبتلى بالإسلام تعيش في مصاف الدول و تعيش أزهى عصور النور و التطور و الرقي و الإنسانية ونحن نعيش ضحايا خديعة تاريخية تسمى الإسلام.

