صدى الواقع اليمني – كتب: حسين الشدادي



لطالما كان السحر، في الوعي الجمعي العربي والإسلامي، ليس مجرد خرافة، بل حقيقة راسخة تتجذر في صميم العقيدة والتراث، تروي النصوص الإسلامية المقدسة قصصًا لا تُنسى عن قدرة السحر على إحداث تأثيرات ملموسة.

تبدأ القصة من زمن النبي موسى، حيث وقف في مواجهة سحرة فرعون، يصف القرآن مشهدًا سحريًا يخيل للناس أن الحبال والعصي “تَسعَى” (سورة طه)، وهو سحر اعتمد على التمويه والخداع البصري العظيم، لكن القرآن يثبت نوعًا آخر، أشد خطراً، وهو القدرة على التفريق بين المرء وزوجه (سورة البقرة)، مُؤكدًا أن السحر يملك أثرًا حقيقيًا لكنه لا يقع إلا بـ “إذن الله”. وفي السيرة النبوية، يُروى أن النبي محمد نفسه سُحر، في إشارة لا تُخطئ إلى أن السحر واقعٌ ملموس.

ومن هذا المنطلق، أقام فقهاء التراث الإسلامي قناعتهم المنطقية: ما ثبت بالأدلة اليقينية (النقل) لا يمكن أن ينفيه الشك أو التجربة القاصرة.

الفرضية: ما دام النص القرآني والأحاديث النبوية تؤكد أن السحر حقيقة، وأن هناك من يتعلمه بالاستعانة بالشياطين، فهذا يعني أن هذه القدرة مستمرة طالما بقي الإنسان والشيطان.

النتيجة المنطقية: الساحر، بقدرته على التأثير على البدن والعقل بالاستعانة الخفية، هو واقع معاصر يُفسر به المرض الغامض والفشل المتكرر، حتى وإن لم يظهر هذا الساحر على الملأ.

لكن عند مغادرة عالم النصوص الدينية والدخول إلى فضاء الواقع المشاهَد في القرن الحادي والعشرين، نصطدم بحقيقة صلبة تُعيد تشكيل فهمنا، فبينما يمتلك العالم اليوم أدوات علمية غير مسبوقة للقياس والتحليل والتحقق من الظواهر، فإن قدرة الساحر الخارق تبدو كأنها مجرد شبح لا يظهر في ضوء النهار.

لقد أثبتت آليات البحث العلمي الحديث والتغطية الإعلامية الشاملة أن السحرة الخوارق مفقودون حيث لا توجد على الإطلاق حالة واحدة موثقة عالميًا، سواء عبر تقارير علمية محايدة أو تحقيق إخباري جدي، تثبت وجود شخص في أي بقعة من العالم اكتسب قدرة خارقة (كالتأثير عن بعد، أو إحداث مرض فوري، أو تغيير الواقع المادي) نتيجة اتصاله بالشيطان أو أي قوى خفية أخرى.

ف المنظمات والمختبرات المخصصة لدراسة الظواهر الخارقة المزعومة تفشل باستمرار في إيجاد أي دليل على صدق مدّعي السحر، حيث يُفسر كل ما يقدمونه على أنه إما خداع ماهر أو إيحاء نفسي عميق (Nocebo Effect).

من جهة، يقف المؤمن بحقيقة ما ورد في التراث، مؤكداً أن الساحر موجود، وأن تأثيره خفي لا يخضع لأدوات القياس المادية.

ومن جهة أخرى، يقف المنهج العلمي والواقع المشاهَد، مؤكداً أن الساحر الوحيد الموجود اليوم هو فنان الخدعة البصرية الماهر، وأن قدرة الإنسان على التواصل مع قوى خفية وإحداث تأثيرات حقيقية على الواقع لم تثبت عملياً رغم كل التطور العلمي الذي يطال كل زاوية من حياتنا.

يبقى السؤال معلقاً: هل تلاشت قدرات السحرة التراثيين بتقدم العلم، أم أنهم ما زالوا يعملون في الظل بعيداً عن أعين الإعلام وأجهزة القياس؟

🔗 رابط مختصر:

اترك رد