صدى الواقع اليمني – كتب: حسين الشدادي
في عالم اليوم، حيث تُقاس الإنجازات الفردية بثروة المال ونفوذ الاقتصاد، يبرز اسم إيلون ماسك كرمز للثراء الحديث، رجل يمتلك ما يقارب 482 مليار دولار، أي نحو 0.1% من ثروة العالم الإجمالية، وبينما يُحسب هذا الرقم قياسًا معاصرًا هائلاً، يقودنا التأمل في التاريخ البشري إلى مقارنة مذهلة: شخصيات في الحضارات القديمة امتلكت حصة نسبية ضخمة من إجمالي ثروات عصرها، وأحيانًا تصل إلى عشرات أو حتى مئات المرات ما يملكه أغنى رجل اليوم.
الثروة النسبية عبر التاريخ: من مانسا موسى إلى أوغسطس
عند الحديث عن الثروة المطلقة، يبدو ماسك الرقم الأعلى في العصر الحديث، لكن الحصة النسبية من الموارد العالمية هي المقياس الأكثر دقة لفهم القوة الاقتصادية عبر العصور.
مانسا موسى: ملك الذهب
الإمبراطور المالي لمملكة مالي في القرن الرابع عشر لم يكن ثريًا فقط، بل كان يمتلك ما يقدر بـ30–50% من ثروة العالم النقدية آنذاك، خصوصًا عبر السيطرة على مناجم الذهب. أما ثروة ماسك، بالمقارنة، فهي تمثل أقل من نصف بالمئة من ثروة العالم. الفرق واضح: حينما يمتلك شخص مثل مانسا موسى عشرات المرات من القوة الاقتصادية النسبية لما يملكه أغنى رجل اليوم، يصبح قياس الثروة مجرد منظور نسبي أكثر من كونه رقماً مطلقًا.
أوغسطس قيصر: السلطة والثروة
الإمبراطور الروماني أوغسطس كان يسيطر على نحو 20% من اقتصاد الإمبراطورية الرومانية، التي كانت تمثل جزءًا كبيرًا من الاقتصاد العالمي آنذاك. السيطرة على الموارد لم تكن مجرد امتلاك شخصي بل تعني القدرة على التأثير في مصير الملايين، وهي مقارنة تعطي بعدًا اجتماعيًا وسياسيًا للثروة يفوق أي أرقام نقدية حديثة.
القادة الصينيون والمغول
أباطرة الصين والجنكيز خان امتلكوا سيطرة فعلية على موارد هائلة، من الأراضي إلى التجارة، مما يجعل نصيبهم النسبي من الثروة العالمية كبيرًا للغاية، في كثير من الحالات أكبر بكثير من نصيب أي ملياردير معاصر.
قارون: الثروة الخرافية بين القرآن والتوراة
بينما يمكن للباحثين قياس ثروة ماسك والأباطرة القدماء، نجد شخصية قارون، كما ورد ذكرها في القرآن الكريم والتوراة، أكثر غموضًا وتعقيدًا.
في القرآن، قارون رجل غني للغاية، خُصّص له وصف مفاتيح كنوزه التي “لتنوء بالعصبة أولي القوة”، وخسف به الله بسبب الكبرياء الناتج عن ثروته، وليس لارتكاب جرائم اقتصادية أو سياسية.
في التوراة، يُعرف باسم قورح، ولم يُذكر أنه ثري، بل كان قائدًا تمرد سياسيًا ودينيًا ضد موسى وهارون، وخسف به أيضًا.
في كلتا الروايتين، الخسف يمثل عقوبة إلهية مفاجئة، لكن الأسباب مختلفة: الغرور المالي في القرآن، العصيان السياسي في التوراة.
اللافت أن لا توجد أي آثار أثرية أو مادية تثبت وجود قارون، ما يجعل الشخصية خرافية في الجوهر، لكنها تحمل رسالة رمزية تتعلق بالغنى، السلطة، والكبرياء عبر الأجيال.
التضاد بين الواقع والأسطورة
هنا يظهر تضاد جذري بين:
1. ثروة حقيقية معروفة مثل ماسك، التي يمكن قياسها بالدولار والنسبة من الاقتصاد العالمي.
2. ثروة نسبية تاريخية مثل مانسا موسى أو أوغسطس، حيث تتجاوز السيطرة الاقتصادية الفردية ما يملكه أغنى إنسان اليوم.
3. الثروة الرمزية مثل قارون، التي تتجاوز القياس الواقعي، وتدخل في نطاق الخرافة والأخلاق والدروس التربوية.
إنه تناقض قائم على البعد الزمني، السياق الاقتصادي، والمعيار الأخلاقي: ماسك أغنى بحسب الدولار المعاصر، لكن ليس لديه القدرة على السيطرة على الاقتصاد العالمي كما فعل بعض الحكام التاريخيين. وفي المقابل، قارون لم يُثبت تاريخيًا، لكنه أصبح رمزًا للغنى والطغيان الأخلاقي.

