صدى الواقع اليمني – كتب: حسين الشدادي
يُنسج الإيمان خيوطه الدافئة في وجدان المؤمنين، واعدًا بقرب إلهي لا يخيب، واستجابة تنساب كالنهر نحو حاجات المضطرين لكن ماذا لو توقف النهر؟ ماذا لو اصطدمت هذه الوعود النصية بجدار صلب من الواقع المعاش؟ هنا، عند مفترق الطرق بين النص المقدس ومرارة التجربة، تبرز إشكالية عميقة تتجاوز نطاق الفرد لتمس جوهر العلاقة بين الإنسان وخالقه.
إن قصة المؤمن الذي أفنى سنوات عمره في محراب الدعاء والعبادة، من طفولته الباكرة حتى مناسك حجه وعمرته، هي ليست مجرد حكاية فردية؛ بل هي مرآة تعكس تحدي التوفيق بين يقين الوحي وصرامة الواقع. لقد كانت طلباته – وظيفة، زواج، عائلة، قطرات مطر تحيي الأرض – تمثل “أساسيات بسيطة” لا تتعارض مع منطق الحياة أو حدود الإمكان. ومع ذلك، لم تتحقق. بل إن ما حدث كان نقيضًا مؤلمًا: جفاف غير مسبوق ضرب أرضًا اعتادت الوفرة، ليصبح الدعاء بالرزق والمطر صدى حزينًا في فضاء الجدب.
هذا التناقض يفتح الباب أمام تساؤل لا يجرؤ كثيرون على طرحه: إذا كان القرآن يقطع وعودًا صريحة بقرب الله
“وإذا سألك عبادي عني فاني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعاني”
وبإنزال الغيث ونصرة المظلوم، فلماذا تبدو هذه الوعود معطلة في اللحظات الأكثر حرجًا؟
إن المأساة لا تقف عند حدود الذات فكيف يمكن تفسير استمرار العذابات الجماعية، كنكبة شعب محاصر يواجه القتل والاضطهاد، بينما يرتفع الدعاء من حناجر مليار ونصف المليار مسلم؟
أين هي الحماية التي وُعد بها المظلوم، وأين هي الاستجابة التي يتضرع بها المكروب؟ يغدو استمرار الدعاء في ظل غياب النتيجة الملموسة فعل إيمان أعمى، أو مجرد طقس مجتمعي يفتقد الفعالية المرجوة.
لكن ذروة الأزمة تكمن في قفزة منطقية لا مفر منها وهي مقارنة وعود الدنيا بوعود الآخرة إذا كانت الاستجابة غائبة عن “طلبات دنيوية تافهة” يمكن قياس نتيجتها في المدى القريب ك إيقاف عدوان أو إنزال مطر، فكيف يمكن للمرء أن يثق ثقة مطلقة بـ “وعود غيبية” متعلقة بالجنة والنعيم الأبدي؟ يتحول التساؤل من اختبار لجدوى الدعاء إلى اختبار لموثوقية الوعد الإلهي ككل.
إن العقل التحليلي يجد صعوبة في التوفيق بين التناقضات الظاهرة في العالم المادي وبين اليقين المطلوب في العالم الغيبي.
إن هذه التجربة الروحية المؤلمة تسلط الضوء على الهوة المعرفية العميقة بين التوقع الإيماني و النتيجة الواقعية إنها صرخة لروح تجاهد للتوفيق بين ما قرأته ووُعدت به من رعاية وحماية واستجابة، وبين ما اختبرته من خذلان وصعوبات وجفاف.

