صدى الواقع اليمني – كتب: حسين الشدادي
تتجاوز شجرة القات في اليمن كونها مجرد محصول زراعي لتصبح محوراً لروتين يومي واجتماعي لا يمكن الاستغناء عنه فمنذ قرون، ارتبط “المقيل” بعادات الصلح، والاجتماعات السياسية، والطقوس الأسرية، حتى أصبح تعاطي القات مؤشراً على المكانة الاجتماعية والقدرة الاقتصادية وفي الوقت الذي يُنظر فيه إلى القات على أنه منبه تقليدي لا يختلف عن القهوة والشاي، تكشف الحقائق العلمية عن تناقضات جذرية تتطلب وقفة صحية وقانونية عاجلة.
لطالما ساد الاعتقاد الشعبي، وكرسته بعض التصريحات الرسمية، بأن القات لا يتعدى كونه منبهاً خفيفاً إلا أن التحليل الكيميائي لأوراق القات الطازجة يضعنا أمام حقيقة مختلفة ف المكون الفعّال للقات الطازج هو الكاثينون (Cathinone)، وهو قلويد ينتمي كيميائياً إلى فئة الأمفيتامينات القوية.
و بخلاف الكافيين (الذي يعمل كمنع لمستقبلات الأدينوزين)، يزيد الكاثينون بشكل مباشر من إفراز الدوبامين والنورأدرينالين في الجهاز العصبي المركزي هذا هو مصدر الشعور بالنشوة واليقظة والتركيز الزائف الذي يدوم لساعات.
وهذا التأثير الدوباميني القوي هو ما يفسر حالة الاعتماد النفسي والجسدي الشديد التي يعاني منها المتعاطون، حيث يؤدي التوقف المفاجئ إلى أعراض انسحاب واضحة تشمل الفتور، والضيق، وثقل الجسم، والاكتئاب.
وتكمن المفارقة الكبرى في أن اليمن، كغيرها من الدول، تجرّم وتمنع المخدرات المصنعة مثل الشبو (الميثامفيتامين)، والتي تنتمي لنفس العائلة الكيميائية التي ينتمي إليها القات.
في المقابل، يُشرّع الاستهلاك الواسع للقات الذي يُعد المصدر الطبيعي للمادة النشطة، مما يخلق وضعاً يشرعن الإدمان تحت غطاء “العادة الاجتماعية”.
هذا القبول الاجتماعي يضاعف من صعوبة الإقلاع، حيث لا يواجه المدمن تحدي الانسحاب الكيميائي فقط، بل يواجه تحدي العزلة الاجتماعية ف المجتمع يربط الحضور والفاعلية الاجتماعية بالتعاطي في “المقيل”.
وعلى مستوى الوظيفية اليومية يتوقف جزء كبير من الحركة الاقتصادية والاجتماعية في فترة ما بعد الظهر، مما يجعل التعاطي ضرورة لملء الفراغ الزمني الهائل.
وفي الوقت الذي قد يرى فيه البعض أن القات “أقل خطورة” من المخدرات الصناعية، فإن الاستخدام المزمن يحمل مخاطر جسيمة صامتة الارتفاع المزمن في ضغط الدم ومعدل ضربات القلب يؤدي إلى زيادة خطر النوبات القلبية والسكتات الدماغية على المدى الطويل.
و المضغ لساعات طويلة يرفع بشكل كبير من احتمالية الإصابة بسرطانات الفم والمريء.

