صدى الواقع اليمني – كتب: حسين الشدادي

بعد هجوم حماس على الأراضي المحتلة “إسرائيل” في 7 أكتوبر من العام 2023، والذي شمل عمليات واسعة داخل مناطق الاحتلال، سمحت سلطات الاحتلال الإسرائيلي لعدد كبير من الصحفيين الدوليين بدخول مواقع الهجوم لتغطيتها، فبعد ثلاثة أيام من الهجوم، قادت مصلحة الدعاية “Hasbara” التابعة لجيش الاحتلال مجموعة من الصحفيين الدوليين إلى كيبوتس كفار عزة، وهو موقع شهد خسائر فادحة.

هذا التصرف عُدّ غير مسبوق حسب تقرير صادر عن التايمز الأمريكية، إذ لم تسمح سلطات الاحتلال الإسرائيلي سابقًا للصحفيين بالوصول الحر إلى مواقع العمليات العسكرية بينها وبين حركة حماس. ومع ذلك، لم تكن التغطية حرة بالكامل؛ فالصحفيون الدوليون الذين تمت دعوتهم كانوا تحت إشراف إسرائيلي دقيق، ورافقهم ضباط عسكريون، كما جرى اختيار ما يُعرض من المشاهد في وسائل الإعلام التي يعملون لصالحها. يدخل ذلك ضمن استراتيجية دعائية “Hasbara” حيث إن عرض مواقع الهجوم والمصابين والدمار كان جزءًا من بناء “نافذة شرعية” للتدخل أو الرد العسكري الإسرائيلي.

كانت التغطية مزيجًا من الوثائقيات والصور الصادمة؛ فقد وصف بعض الصحفيين مشاهد “جثث ملفوفة في أكياس” ورائحة الموت في المكان. من جهتها، استخدمت سلطات الاحتلال الإسرائيلي التغطية الإعلامية الانتقائية كأداة مساندة لوجهة نظرها، سواء بإظهار فظاعة الهجمات أو بتبرير العمليات العسكرية اللاحقة.

كما تمتلك سلطات الاحتلال جهاز رقابة عسكرية “Military Censor” يراجع المحتوى الصحفي المتعلق بالأمن. ومنذ الهجوم، أُصدرت تنظيمات طوارئ تسمح للسلطات بحظر بعض الإعلاميين الأجانب أو تقييد تغطيتهم بحجة الأمن. كذلك عُدّل قانون “مكافحة الإرهاب” ليشمل مواد تجرّم ما يسمى “استهلاك مواد إرهابية”، أي نشر أو استخدام محتوى إعلامي من تنظيمات تُصنّفها إسرائيل كـ”إرهابية”، ما قيد حرية الصحفيين بعد بدء العمليات العسكرية في غزة.

على الجانب الآخر، توالت عقب هجوم حماس في السابع من أكتوبر 2023 تصريحات الدول الكبرى. فقد وصف الرئيس الأمريكي ترامب الهجوم بأنه “غير مبرّر تمامًا” و”unconscionable”، مؤكدًا دعم الولايات المتحدة لحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، ومحذرًا من أن دولًا “معادية” قد تحاول استغلال الأزمة. أما دول الاتحاد الأوروبي فقد أدانت الهجوم وأعربت عن تضامنها مع إسرائيل، ووصفت دول مثل فرنسا وألمانيا الهجوم بأنه “إرهاب” يستوجب الدعم.

من جهته، صرّح وزير الخارجية الروسي بأن هجوم 7 أكتوبر “لم يحدث من فراغ”، مشيرًا إلى وجود أسباب استراتيجية خلفه. وأكد أن روسيا تتواصل مع الجناح السياسي لحماس، وأن هذه الاتصالات شملت التفاوض حول المحتجزين.

تشير تحليلات معاهد دولية مثل “معهد واشنطن” إلى أن ردود الفعل الدولية أجمعت على دعم “حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها”. كذلك تابعت بعض دول الشرق الأوسط الهجوم باهتمام كبير ورأت فيه تحولًا خطيرًا في معادلات الصراع، ما دفع بعضها للضغط الدبلوماسي لوقف التصعيد، لكن ردود الدول العظمى كان متفاوتًا.

في المقابل، وخلال العمليات العسكرية التي نفذتها قوات الاحتلال الإسرائيلي منذ بداية الحرب على غزة حتى توقفها، ارتكب الاحتلال مجازر مروعة، إذ كان معظم القتلى من النساء والأطفال، متجاوزين — وفق بيانات وزارة الصحة في غزة — 68,865 قتيلاً إضافة إلى مئات الآلاف من الجرحى. وتشير بيانات لجنة حماية الصحفيين “CPJ” إلى أن ما لا يقل عن 186 صحفيًا وأفراد إعلام قُتلوا حتى منتصف 2025، منهم حوالي 178 فلسطينيًا من غزة.

رافقت آلة القتل الإسرائيلية حصارًا خانقًا طوّق قطاع غزة حتى كاد يحجب عنه الأوكسجين، وشهد العالم مجاعة جماعية غير مسبوقة، دون أن يحرك المجتمع الدولي ساكنًا.

وعلى خلاف التصريحات الغربية التي تتابعت عقب هجوم حماس، لم تتوالَ تصريحات تدين آلة القتل الإسرائيلية التي لم تستثنِ الأطفال والنساء. وكل ما صدر لاحقًا كان دعوات لوقف الحرب والتوصل لاتفاق ينهي معاناة الفلسطينيين، دون تجريم واضح للجرائم الإسرائيلية التي شاهدها العالم. وهذا يعكس مدى عمق النفاق الدولي الذي يبكي قتلى الكيان المحتل ولا يلتفت إلى أطفال غزة الذين قُتلوا بأفتك الأسلحة التي يُمنع غير إسرائيل من امتلاكها فضلًا عن استخدامها.

في الحقيقة، إن نفاق دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة تجاه إسرائيل ليس حبًا في إسرائيل بقدر ما هو تعبير عن شبكة مصالح متداخلة. يظهر اصطفافهما إلى جانب إسرائيل كسلوك مبني على حسابات مصالح مركّبة: اقتصادية، جيوسياسية، أمنية، تكنولوجية، وانتخابية.

فإسرائيل تُستخدم كنقطة ارتكاز جيوسياسي في شرق المتوسط والشرق الأوسط، بما يشبه “أصلًا استراتيجيًا” يُعاد توظيفه مع تغير الأسواق أو الأزمات. كما أن ضمان تفوقها العسكري في الإقليم يمنح الغرب ميزة رقابية مستمرة على خطوط الطاقة (مثل الغاز في المتوسط)، والممرات البحرية، والتوازن بين الفاعلين الإقليميين، والتحكم في البيئة الأمنية لمنطقة تتقاطع فيها آسيا وأفريقيا وأوروبا.

وإلى جانب تعزيز النفوذ الأمريكي في مواجهة الصين وروسيا، تُعد إسرائيل مختبرًا حقيقيًا لتطوير وتقييم الأسلحة الغربية، ما يجعلها شريكًا رئيسيًا في الابتكار الدفاعي وعميل شراء مستدامًا للأسلحة الأمريكية والأوروبية. كما أن مشاريع الغاز في شرق المتوسط “ليفياثان” و”تمار” مرتبطة بشركات أوروبية وأمريكية، وإسرائيل جزء من سلسلة القيمة للطاقة التي يسعى الغرب لإبقائها خارج سيطرة روسيا أو الصين.

وتُعد إسرائيل واحدة من أعلى الدول عالميًا في عدد الشركات الناشئة، وأحد أبرز المراكز المتقدمة في الأمن السيبراني والذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا العسكرية المدمجة، ويرتبط نحو 97% من شركات السايبر الإسرائيلية بالسوق الأمريكية، ما يجعلها حاضنة تقنية منتجة للقيمة بالنسبة للولايات المتحدة.

وفي السياسة الداخلية الأمريكية، تضخّم اللوبيات الاقتصادية المرتبطة بإسرائيل تأثيرها السياسي، إذ ترى القاعدة الانتخابية في الحزبين الديمقراطي والجمهوري أن إسرائيل جزء من “تحالف استراتيجي طويل المدى”. وفي أوروبا، هناك إرث تاريخي ما بعد الحرب العالمية الثانية يقوم على حماية اليهود، إضافة إلى اعتبارات انتخابية مرتبطة بالخوف من صعود اليمين المتطرف، ما يدفع الحكومات للظهور بمظهر “الثابت أخلاقيًا” تجاه إسرائيل.

أما من منظور القوة الناعمة، فإسرائيل تمتلك واحدة من أقوى شبكات التأثير الإعلامي والعلاقات العامة في الغرب، ما يجعل صناعة الرأي العام العالمي أصولًا ناعمة تخدم التحالف السياسي والاقتصادي. وعلى مستوى إدارة المخاطر الإقليمية، تُعد إسرائيل بالنسبة للغرب أداة لاحتواء إيران، وضمان استقرار دول الخليج المنتجة للطاقة، وخلق توازن يمنع انهيار المنطقة بطريقة تهدد الإمدادات الاقتصادية العالمية.

🔗 رابط مختصر:

اترك رد