صدى الواقع اليمني – تقرير: حسين الشدادي
في خطوة وُصفت بأنها «تحول نوعي في البنية الخدمية للساحل الغربي»، دشّن العميد طارق محمد عبدالله صالح، قائد ما يُعرف بـ«قوات المقاومة الوطنية» وعضو مجلس القيادة الرئاسي، مطار المخا الدولي، وسط احتفاء إعلامي واسع.
غير أن هذه الخطوة فتحت في المقابل باباً واسعاً للنقاش حول طبيعة السلطة التي تدير هذا النطاق الجغرافي ومدى تبعيته الفعلية لمؤسسات الدولة اليمنية.
الحدث الذي تجاوز دلالته الإنشائية
من حيث الشكل، مثّل تدشين المطار مؤشراً على توجه إنمائي يخدم حركة النقل والاقتصاد في الساحل الغربي.
غير أن دلالته السياسية فاقت طابعه الخدمي؛ إذ رأى مراقبون أن الحدث يعكس واقعاً إدارياً وأمنياً يزداد انفصالاً عن منظومة الدولة المركزية، لاسيّما وأن المشروع أُطلق بقرار وإشراف من قيادة لا تتبع مؤسسياً لوزارة النقل أو الطيران المدني.
قوات لا تتبع وزارة الدفاع
القوة العسكرية التي يقودها طارق صالح، والمقدرة بعشرات الآلاف من الأفراد، تعمل ضمن هيكل مستقل مالياً وإدارياً.
فهي لا تتلقى رواتبها من وزارة الدفاع اليمنية، ولا تصدر أوامرها عبر قنوات القيادة الرسمية. هذا الانفصال الهيكلي أوجد نموذجاً لقوة مسلحة تمتلك تمويلاً خاصاً وشبكة قراراتها الذاتية، الأمر الذي يجعلها عملياً خارج المظلة المؤسسية للدولة.
سلطة موازية في نطاق إداري تابع للدولة
ورغم أن المخا وذو باب وباب المندب تُعدّ مديريات خاضعة لمحافظة تعز، إلا أن السلطة المحلية بالمحافظة لا تمتلك صلاحيات فعلية داخلها. فكل المستويات الإدارية والعسكرية والأمنية تخضع لإشراف مباشر من قيادة طارق صالح.
أما زيارات محافظ تعز المتكررة إلى مدينة المخا فتُقدَّم إعلامياً بوصفها تعزيزاً للتكامل المؤسسي، لكنها في الواقع لا تتجاوز حدود المجاملة السياسية، إذ تظل القرارات الجوهرية ضمن سيطرة القيادة المحلية للقوات هناك.
مرفق سيادي بلا إشراف سيادي
من اللافت أن ميناء المخا، الذي يُعد من أقدم الموانئ اليمنية، يخضع بدوره لسيطرة تامة من القوات ذاتها دون رقابة مباشرة من مؤسسات الدولة. ويشير خبراء في الشأن الاقتصادي إلى أن هذا الواقع خلق منطقة عبور غير خاضعة للرقابة الجمركية الكاملة، الأمر الذي انعكس في تدفق بضائع مهربة وسلع محظورة إلى الأسواق المحلية خلال السنوات الأخيرة.
إطلاق مطار دولي في هذا السياق، دون وضوح في تبعيته القانونية والإدارية، يُثير بطبيعة الحال تساؤلات حول مدى التزامه بأنظمة الطيران المدني اليمني ومعايير السيادة الوطنية.
مشاريع بنية تحتية أم أدوات نفوذ؟
تشير التحركات الأخيرة لقيادة قوات الساحل الغربي إلى محاولات توسيع رقعة النفوذ نحو مناطق محررة من محافظة تعز، من خلال تنفيذ مشاريع خدمية صغيرة مثل تعبيد الطرق وتقديم مساعدات إنسانية. غير أن مراقبين يرون في هذه الأنشطة جانباً سياسياً يهدف إلى توطيد الحضور العسكري والاجتماعي للقوات على حساب دور مؤسسات الدولة المحلية.
تحدي الدولة المركزية
في المحصلة، يطرح مشهد المخا سؤالاً محورياً: كيف يمكن للدولة اليمنية أن تمارس سلطتها الموحدة بينما تتوزع أدوات السيادة بين قوى متوازية؟
إن إطلاق مطار دولي أو تشغيل ميناء خارج إشراف الوزارات السيادية لا يمثل مجرد خللاً في الإجراءات، بل يعكس اختلالاً أعمق في بنية الحكم وإدارة الموارد، حيث تتحول الجغرافيا إلى كيانات شبه مستقلة تدير شؤونها خارج الإطار المؤسسي للدولة.
ما جرى في المخا يتجاوز كونه مشروع مطار جديد؛ إنه علامة على التحولات التي تشهدها خريطة السلطة في اليمن. وبينما يتطلع اليمنيون إلى تنمية حقيقية تعيد الأمل والاستقرار، يظل السؤال الأهم: هل يمكن للتنمية أن تكون مشروعة حين تنطلق من خارج مؤسسات الدولة، وحين تصبح المشاريع السيادية عنواناً لتكريس الانقسام لا لاستعادة الدولة؟

