صدى الواقع اليمني – كتب: حسين الشدادي
في عالمنا العربي والإسلامي، يُرفع شعار الالتزام بالشريعة الإسلامية في كل مفصل من حياة الناس، وخاصة في المعاملات المالية. الربا محرم، والقروض بفوائد ممنوعة، والبنوك الإسلامية ظهرت لتكون البديل الحلال، وفق شكل شرعي يحافظ على النصوص المقدسة. لكن، عندما نضع هذه النظرية على أرض الواقع، نكتشف فجوة ضخمة بين الشكل والمضمون، بين الالتزام الشرعي والنتيجة الاقتصادية، بين ما يُقال وما يُطبّق.
التجربة الواقعية: بين البنك الإسلامي والبنك التقليدي
تخيل معي تجربة حقيقية في اليمن: لديك مزرعة كبيرة، وتحتاج لشراء طربيل عالي الجودة بسعر ألف وخمسمائة ريال سعودي. ليس لديك المال نقدًا، فتوجه إلى بنك تقليدي، فيطلب منك القرض مع فائدة 25%، أي 375 ريال سعودي إضافية، لتصبح القيمة الإجمالية 1875 ريال سعودي. حصلت على الطرابيل المطلوبة، بنفس الجودة والمواصفات، وحرية الاختيار كانت كاملة، فقط كانت المعاملة محرمة شرعًا لأنها تتضمن الربا.
ثم جربت البنك الإسلامي: قدموا لك نفس الخدمة بشكل شرعي، لا قرض بفائدة، بل شراء الطرابيل وبيعها لك مؤجلًا. لكن النتيجة كانت مدهشة: السعر أصبح ألفين وخمسمائة ريال سعودي، أي زيادة 625 ريال، والطرابيل كانت أقل جودة، دون ضمان، ومع قيود في الاختيار.
التحليل: الشكل أم المضمون؟
هنا تتجلى المفارقة الكبرى:
الشكل الشرعي موجود: البنك يلتزم بعدم منح قرض بفائدة مباشرة.
المضمون الاقتصادي غائب: العميل دفع أكثر مقابل سلعة أدنى، وحرية الاختيار اقتصرت عليه بشكل كبير.
الهدف الأساسي من تحريم الربا في الإسلام، أي حماية المستهلك والمحتاج من الظلم المالي، والحفاظ على العدالة الاقتصادية، لم يتحقق.
مقارنة عملية
البنك/النظام السعر الجودة الحرية في الاختيار الشرعية النتيجة الواقعية
البنك التقليدي (الربا) 1875 ريال عالية كاملة حرام أفضل اقتصاديًا
البنك الإسلامي 2500 ريال منخفضة محدودة حلال شكليًا أسوأ اقتصاديًا
المعادلة واضحة: البنك الإسلامي شكل حلال، لكنه عمليًا يزيد العبء على العميل، بينما البنك التقليدي حرام شرعًا، لكنه يحقق نتيجة اقتصادية أفضل.
الدرس الأكبر
هذه التجربة الواقعية تضعنا أمام حقيقة مهمة: الالتزام الظاهري بالنصوص الشرعية ليس كافيًا إذا تجاهل الهدف الأساسي من النصوص. الشريعة الإسلامية لم تُعط تعليمات تفصيلية لكل معاملة مالية، بل وضعت مبادئ عامة: العدالة، منع الظلم، وحماية الإنسان من الاستغلال. عندما يتحول الالتزام إلى التفاف شكلي على النص، يصبح الشكل موجودًا، والمضمون ضائعًا، والعميل هو الخاسر الحقيقي.
التمويل الإسلامي كما يُطبق اليوم في اليمن والعالم العربي غالبًا يشبه التفافًا شكليًا على النصوص الشرعية، دون تحقيق الهدف الأسمى: حماية المستهلك، وضمان العدالة الاقتصادية، وتمكين الناس من الحرية في الاختيار. أما الربا المباشر، فهو حرام شرعًا، لكنه في كثير من الحالات يوفر نتيجة أفضل من حيث الجودة والسعر والحرية الاقتصادية.
إن ما يحدث اليوم في البنوك الإسلامية هو درس عملي لكل مفكر وناشط اقتصادي: الالتزام بالدين لا يجب أن يكون مجرد شكل، بل يجب أن يتحقق في المضمون والنتيجة الواقعية، وإلا صار الشكل مجرد حجاب يحجب الواقع، ويكبل المواطن في دائرة دفع أكثر مقابل أقل، دون مراعاة الروح الأصلية للنصوص المقدسة.