صدى الواقع اليمني – تقرير: حسين الشدادي

في بلدٍ يرزح تحت وطأة حربٍ مستمرة منذ أكثر من تسع سنوات، ويعيش أبناؤه أوضاعاً اقتصادية خانقة، كان من الطبيعي أن يتوقع المرء أن تكون ساحات النقاش العام منصبّة على قضايا الوطن الكبرى: الحرب والسلام، الجوع والفقر، انهيار مؤسسات الدولة، وانسداد الأفق السياسي. لكن المفارقة الصادمة أن ما يتصدر واجهات مواقع التواصل الاجتماعي في اليمن ليس تلك القضايا المصيرية، بل خلافات شخصية أو قصص تافهة، تحوّل بين عشية وضحاها إلى “ترند” يشغل الرأي العام الافتراضي.

أحمد أديب الشامي.. نجم بلا محتوى





خلال الأيام الماضية، احتل اسم الشاب أحمد أديب الشامي مساحة واسعة من النقاشات على فيسبوك وتويتر وإنستغرام. الشامي شاب لا يقدم أي محتوى هادف أو موهبة حقيقية، ومع ذلك يحظى بعدد هائل من المتابعين. خلاف شخصي أو عابر بينه وبين آخر، تحوّل بفضل الخوارزميات وتفاعل الجمهور إلى حديث الساعة، ليتجاوز صداه قضايا وطنية تمس ملايين اليمنيين.

أبو حيدر العولقي.. شهرة مفاجئة وفضيحة صاخبة



لم يكد الجدل حول الشامي يهدأ حتى تصدّر اسم آخر هو “أبو حيدر العولقي”، مواطن يمني بسيط محدود الثقافة والوعي، لكنه فجأة أصبح “مشهوراً” يتابعه عشرات الآلاف. السبب هذه المرة كان قصة ابتزاز مثيرة، بعدما تمكن مجهول – كما يُقال – من اختراق حساباته والحصول على مواد خاصة به، ليبدأ بتهديده وابتزازه. ورغم أن القضية شخصية، إلا أنها تحولت إلى “قضية رأي عام” ضجّت بها المنصات، وكأنها شأن وطني يتصدّر الأولويات.

لماذا تتصدر التفاهة؟



هذا المشهد ليس معزولاً عن السياق الأوسع، بل يمكن تفسيره من عدة زوايا:

1. الهروب من الواقع المرير: اليمنيون الغارقون في الحرب والفقر يبحثون عن متنفس يخفف عنهم ثقل الحياة اليومية، فيجدون في قصص كهذه نوعاً من الترفيه أو السخرية التي تنسيهم قسوة الواقع.


2. الفراغ وغياب البدائل: لا توجد صناعة إعلامية أو ترفيهية قوية في اليمن تُشبع فضول الناس وتقدم لهم محتوى قيّماً، ما يجعلهم يتجهون نحو أي محتوى متاح، حتى وإن كان سطحياً أو فارغاً.


3. الخوارزميات وثقافة الترند: منصات التواصل الاجتماعي لا تميز بين ما هو جاد وما هو تافه؛ كل ما يعنيها هو التفاعل. وبما أن قصص الفضائح والخلافات الشخصية تثير الفضول وتدفع المستخدمين للتعليق والمشاركة، فإنها تلقائياً تتصدر المشهد.


4. ضعف الثقافة الإعلامية: نسبة كبيرة من الجمهور تتعامل مع “الترند” كأنه معيار للأهمية، من دون قدرة على التمييز بين ما هو خبر ذو قيمة وما هو مجرد تفاهة عابرة.


5. حب الفضائح والدراما: الطبيعة البشرية تميل بطبيعتها إلى تتبع القصص المثيرة أو الفضائح، خصوصاً في البيئات المأزومة التي يفتقد الناس فيها للترفيه البديل.



انعكاسات على المشهد العام



ما يحدث يعكس حالة مأساوية من التشوه الثقافي والإعلامي في اليمن. فبينما تُهمّش القضايا الوطنية الكبرى، تتصدر قصص تافهة لتصبح حديث الشارع، فتساهم في حرف بوصلة النقاش العام عن المسائل المصيرية. الأسوأ أن هذه الظاهرة تصنع “مشاهير من لا شيء”، يكتسبون نفوذاً رمزياً وجماهيرياً لا يعكس أي قيمة حقيقية.


تصدر أحمد أديب الشامي وأبو حيدر العولقي ليس دليلاً على تأثير حقيقي أو قيمة يقدمونها، بل انعكاس لبيئة مأزومة؛ بيئة تصنعها الحرب والفقر والفراغ الثقافي، وتكرسها خوارزميات المنصات التي تبحث عن التفاعل لا الحقيقة. إن ما يحدث ليس مجرد صدفة، بل صورة لواقع يمني أكثر إيلاماً: واقع تُصنع فيه الشهرة من التفاهة، بينما تُدفن القضايا الوطنية في صمت النسيان.

🔗 رابط مختصر:

اترك رد