صدى الواقع اليمني – كتب: حسين الشدادي

الحمد لله الذي وسعت رحمته كل شيء، وغلبت رحمته غضبه، وأشرقت بنور هدايته قلوب الحائرين، ففتحت لهم أبواب التوبة وأمهلتهم حتى يعودوا، فسبحانه ما أرحمه وأكرمه!

لقد كانت أيامي تمضي، وعيناي مفتوحتان على الدنيا، مغلقتان عن الآخرة، أعدو في دروب التيه وكأن الموت لا يقترب، وكأن القبر لا ينتظر، وكأن الحساب لن يكون غفلةٌ ماكرة، زينها لي الهوى، وصاحبها التسويف، حتى اعتدت أن أؤجل التوبة وكأن لي في العمر ضماناً.

لم أكن فاجراً سافراً، ولكني كنت غافلاً… غافلاً عن الصلوات في وقتها، عن ذكر الله في خلوتي، عن تدبر القرآن وهو الرسالة التي أُنزلت لهدايتي كنت أظن أن “غداً أعود”، و”يوماً ما سأصحو”، و”الله غفور رحيم”، ونسيت أن الله شديد العقاب، وأن الموت قد يأتيني وأنا غارق في زلتي.

وذات مساء… جاءني شعور عميق لا يشبه غيره، كأن الله أنار قلبي بنور اليقظة، وألقى في صدري سؤالاً مدوّياً:
“ماذا لو مُتَّ الآن؟!”

سؤال واحد لكنه زلزل كياني، جفف لعابي، وأرعد قلبي نظرت إلى صلاتي، فوجدتها خفيفة، وعبادتي، فوجدتها مُهملة، ونفسي، فوجدتها أسيرة الشهوات شعرت كأن صحائف أيامي تُعرض أمامي، كأنني في لحظة الحساب
فصرخت من أعماقي: “اللهم إن كنت قد أمهلتني، فلا تجعلني من الغافلين بعد الآن!”

ومن تلك اللحظة، كتبت أول سطر في قصة العودة، وأعلنتها بيني وبين نفسي:
“اللهم إني أستغفرك وأتوب إليك، وأشهد أن لا إله إلا أنت، وحدك لا شريك لك، وأشهد أن محمداً عبدك ورسولك.”

عدتُ إليك يا الله… بقلبٍ منكسر، ونفسٍ أرهقها الذنب، وعيونٍ لم تذرف دموع التوبة من زمن
عدتُ وأنا أعلم أن لا مأوى لي غيرك، ولا ستر لي سواك، ولا خلاص لي إلا برحمتك.

فيا رب:
إن كنت قد طمستُ بصيرتي بالغفلة، فافتح لي نور الهداية،
وإن كنت قد أسرفتُ على نفسي، فاغسل ذنوبي بعفوك،
وإن كنت قد بعتُ آخرتي بدنيا زائلة، فردّني إلى صوابي قبل فوات الأوان.

اللهم لا تجعل توبتي حديثاً عابراً، بل اجعلها تحولاً جذرياً، يقظة لا بعدها نوم، وندماً لا يخالطه تهاون، وعهداً لا ينقضه ضعف.
اللهم ارزقني الثبات على الطاعة، والصحبة الصالحة، والحياء منك في كل لحظة.

إنني لا أكتب هذا المقال تزكيةً لنفسي، بل تذكيراً لكل غافل مثلي، لعل الله أن يجعل فيه أثراً، ويوقظ به قلباً، ويكون سبباً في توبة لا رجوع بعدها إلى الغفلة.

اللهم إنك عفوٌ تحب العفو فاعفُ عني، وعن كل عبدٍ ضل الطريق ثم اهتدى… آمين يا أرحم الراحمين.

🔗 رابط مختصر:

اترك رد