صدى الواقع اليمني – كتب: حسين الشدادي

لطالما عانى الشعب اليمني من حلقة مفرغة من الولاء الأعمى للأحزاب والجماعات، حتى عندما تخطئ هذه القيادات أو تتناقض أفعالها مع شعاراتها، يبقى الأتباع مخلصين تمامًا. هذه الظاهرة ليست مجرد سلوك سياسي خاطئ، بل هي نتيجة استراتيجية مدروسة يستخدمها قادة الأحزاب والجماعات لضمان التحكم والسيطرة.

أحد أكثر الأساليب شيوعًا لدى الأحزاب اليمنية، بما فيها جماعات الإسلام السياسي مثل جماعة الإخوان والحوثيين، هو ربط الولاء للمؤسسة بالولاء لله والمبدأ. هذه الاستراتيجية تجعل من الصعب على الأتباع التفكير النقدي أو الطعن في سياسات قيادتهم.
الدراسات في علم النفس الاجتماعي، خاصة أعمال روبرت جاي ليفتون وليون فستنجر، تثبت أن ربط الهوية الشخصية بالولاء الأعمى يولد “تنافرًا معرفيًا”، أي إصرارًا على التمسك بالمبدأ حتى لو كان يتناقض مع الواقع والمصلحة الشخصية والوطنية.

التاريخ الحديث يثبت أن غالبية قادة الأحزاب لا يؤمنون فعليًا بالمبادئ التي يرفعونها. الحزب الشيوعي السوفييتي، الإخوان المسلمون في فترات مختلفة، وحتى النازية، كلها أمثلة على تغيير السياسات والأهداف حسب المصلحة، بينما بقي الأتباع ملتزمين بالولاء الأعمى.

في اليمن، يزرع السياسيون فكرة أن الإنسان يجب أن يعيش ويموت على المبدأ الذي اعتنقه: “إن كنت مؤتمريًا فلتكن مؤتمريًا حتى النهاية”، ويُوصَف من يدور حسب مصالحه بأنه فاقد للمبدأ. في الحقيقة، هذه مجرد حيلة لضمان الانصياع والسيطرة، وإخفاء حقيقة أن المبادئ مجرد وسيلة لتمرير مصالح القيادات.

في الثورة الثقافية الصينية، الولاء المطلق لماو تسي تونغ أدى إلى مجاعات وقتل جماعي.

في حرب فيتنام، الولاء السياسي للأمريكيين أخفى الحقائق عن الشعب حتى انهارت الثقة كليًا بعد فضيحة البنتاغون.

في ألمانيا النازية، تغيير هتلر المستمر للسياسات لم يزعزع ولاء الأتباع، ما أتاح له السيطرة على الدولة بالكامل.

الولاء الأعمى للأحزاب والجماعات، وربطه بالمبدأ أو الدين، ليس مبدأً حقيقيًا بل أداة للسيطرة. الشعب اليمني، للأسف، لم يستفد من تجاربه السابقة لأنه ظل عاطفيًا أكثر من كونه عقلانيًا في مواقفه السياسية.


من يملك القدرة على التفكير النقدي وتقييم الواقع، ومن لا يربط نفسه أبدًا بمبدأ حزبي جامد، هو من يضمن استقلاليته الفكرية وحقه في خدمة الوطن دون الانصياع لخطاب زائف.

🔗 رابط مختصر:

اترك رد