صدى الواقع اليمني – كتب: حسين الشدادي

في مجتمعاتنا العربية والإسلامية ما زال السؤال يُعدّ جريمة، والفضول العقلي يُنظر إليه كتهديد للعقيدة.
مجرد محاولة التفكير في الذات الإلهية، أو في مفاهيم كالعدالة والرزق والقدر، تُقابل عادة بتهمة “الكفر”، وكأن الإيمان لا يحتمل التفكير، وكأن الله – جل في علاه – يحتاج من البشر من يدافع عنه بحظر التساؤل.

لقد أثارت تساؤلات نشرتها مؤخرًا على وتساب عن “العدالة الإلهية في توزيع الرزق” موجةً من ردود الأفعال العاطفية، بعضها تجاوز حدود الحوار إلى التخوين الديني.
وهذا الموقف، في جوهره، ليس إلا صورة مصغّرة لأزمة الوعي الديني في مجتمعاتنا؛ حيث يُربّى الإنسان على الإيمان بالنقل لا بالعقل، وعلى الوراثة لا الاختيار، فيتحول الدين من تجربة وعي إلى بطاقة انتماء اجتماعي.


الله لا يخاف من السؤال



إن السؤال عن الله ليس خروجًا على حدود الإيمان، بل سلوك معرفي فطري نابع من حاجة الإنسان إلى الفهم لا إلى التمرد.
والقرآن نفسه – الذي يتخذ منه كثيرون سلاحًا ضد التفكير – هو أكثر النصوص دعوةً إلى السؤال والتدبر:

«أفلا يتدبرون؟»
«أفلا يعقلون؟»
«قل سيروا في الأرض فانظروا»



هذه ليست نواهي، بل أوامر صريحة بالتأمل والنظر العقلي، لأن الإيمان الذي يولد من سؤال هو إيمانٌ واعٍ، بينما الإيمان الذي يُلقَّن دون تفكير هو عادة اجتماعية أكثر منه يقينًا روحانيًا.

إن الله – في منطق الوحي – لم يمنع الإنسان من التساؤل، بل حاوره، كما حاور إبراهيم عليه السلام حين قال:

«رب أرني كيف تحيي الموتى»
فقال له ربه: «أولم تؤمن؟ قال بلى ولكن ليطمئن قلبي».



هنا يتجلى عمق الفلسفة الإلهية في تربية الوعي:
فالله لم يُجرّم السؤال، بل أجاب عليه، لأن العقل طريق الطمأنينة، والإيمان الحقيقي لا يخاف من السؤال، بل يتقوّى به.


حين يصبح الدين ملكية خاصة



إن أخطر ما أصاب الوعي الإسلامي المعاصر أن الكهنة الجدد – من بعض الدعاة ورجال الدين – جعلوا من الدين سلطة لا فكرة، ومن الفتوى أداة قمع لا توجيه.
وحين يحتكر أحدٌ حق تفسير الله، ويجرّم غيره لمجرد طرح سؤال، فذلك يعني أنه حوّل الإيمان إلى مؤسسة بشرية تخاف من العقل أكثر مما تخاف من الجهل.

والمؤسف أن هؤلاء لا يدركون أن الإيمان الذي يحتاج إلى حراسة من الأسئلة هو إيمان هشّ،
بينما الإيمان الذي يولد من التفكير الصادق هو وحده الذي يصمد أمام العواصف الفكرية.


الفكر لا يُكفَّر، بل يُحاوَر



ليست المشكلة في أن يسأل الإنسان، بل في أن تُغلق أمامه أبواب الحوار.
فالعقل الذي لا يُسمح له بالتفكير في الإله سيُفكر – لا محالة – ضد الإله.
ولهذا فإن أول خطوة نحو إيمان ناضج هي أن نعيد الاعتبار لـ حرية السؤال، بوصفها حقًا روحيًا قبل أن تكون حقًا فكريًا.

فالسؤال ليس تمرّدًا على الله، بل تمرّدًا على الجهل به.
ومن أراد أن يمنع الإنسان من التساؤل، فإنه يمنعه من أن يصل إلى الله عبر وعيه لا عبر خوفه.

الإيمان ليس ترديدًا لما قاله الآباء، ولا خشوعًا يخلو من الفهم،
بل هو رحلة عقلية وروحية يتكامل فيها العقل والقلب في البحث عن معنى الله في الكون والعدالة والوجود.
ومن هذا المنطلق، فإن السؤال عن الله لا ينتقص من الإيمان، بل يرفعه إلى مستوى النضج الإنساني.

فالله لا يخشى من فكرٍ يسأله،
بل من قلبٍ يعبده دون أن يعرفه.

🔗 رابط مختصر:

اترك رد