صدى الواقع اليمني – تقرير: حسين الشدادي
في ظل تصاعد غير مسبوق للتوترات الإقليمية، أعلن مركز المعلومات البحرية المشترك (JMIC) تحذيرًا عاجلًا الأحد، رفع فيه مستوى التهديد ضد السفن التجارية الأمريكية في البحر الأحمر ومضيق باب المندب وخليج عدن إلى درجة “مرتفعة”، وذلك في أعقاب الضربات الأمريكية الأخيرة على المنشآت النووية الإيرانية والتصريحات العدائية لمليشيا الحوثي التي هددت باستهداف المصالح الأمريكية ردًا على أي تدخل عسكري أمريكي إلى جانب إسرائيل.
هذا التحذير يأتي ضمن سياق متصاعد من المواجهات بين إسرائيل وإيران ووكلائها في المنطقة، مما يهدد أحد أهم الممرات البحرية في العالم، والذي يمر عبره حوالي 12% من التجارة العالمية، بما في ذلك النفط والسلع الحيوية. فما هي خلفية هذه التهديدات؟ وما تداعياتها على الأمن البحري والاقتصاد العالمي؟
خلفية الأزمة.. من الضربات الأمريكية إلى التهديدات الحوثية
في الأيام الماضية، نفذت الولايات المتحدة سلسلة ضربات جوية على منشآت نووية إيرانية، وذلك ردا على تقارير استخباراتية أفادت بتسريع إيران لبرنامجها النووي، بما يتعارض مع الاتفاق النووي الموقع عام 2015. هذه الضربات، التي لم تؤكدها واشنطن رسميًا لكن مصادر أمنية أشارت إليها، جاءت في سياق سياسة “الحد الأقصى من الضغط” التي تنتهجها إدارة بايدن ضد طهران.
ردت إيران ببيانات غاضبة، وهددت بـ”رد ساحق”، بينما أعلنت مليشيا الحوثي في اليمن، المدعومة إيرانيًا، أنها ستوسع نطاق استهدافها ليشمل السفن الأمريكية مباشرة إذا تدخلت واشنطن عسكريًا في الصراع الإسرائيلي-الإيراني.
تهديدات الحوثيين: استهداف السفن الأمريكية والإسرائيلية
في تصريح خطير، أعلن محمد علي الحوثي، القيادي البارز في المجلس السياسي للحوثيين، أن “أي سفينة أمريكية أو إسرائيلية في البحر الأحمر ستكون هدفًا مشروعًا إذا تدخلت أمريكا عسكريًا لدعم إسرائيل”. وأضاف أن “أي دعم أمريكي للعدوان الإسرائيلي سيواجه برد عسكري حاسم”.
هذا التصعيد ليس جديدًا، فمنذ اندلاع الحرب في غزة، زادت هجمات الحوثيين على السفن المرتبطة بإسرائيل في البحر الأحمر، مستخدمين طائرات مسيرة وصواريخ باليستية، مما اضطر العديد من شركات الشحن إلى تغيير مساراتها حول أفريقيا، مما زاد من تكاليف الشحن وأربك سلاسل التوريد العالمية.
تفاصيل التحذير الأمريكي ومستويات التهديد
وفقًا لتحذير مركز المعلومات البحرية المشترك (JMIC)، فإن مستوى التهديد يشمل:
– جميع السفن التي ترفع العلم الأمريكي.
– السفن المملوكة أو المُشغلة من قبل شركات أمريكية.
– السفن المستأجرة من قبل جهات أمريكية.
– السفن التي تنقل بضائع أمريكية أو عسكرية.
بينما أشار التقرير إلى أن السفن غير المرتبطة بالولايات المتحدة أو إسرائيل تواجه مستوى تهديد “معتدل”، إلا أنها قد تتعرض لخطر “الاستهداف العرضي” أو “الخطأ في التعريف”، خاصة في ظل استخدام الحوثيين لأساليب غير دقيقة في تحديد هوية السفن.
توصيات أمنية عاجلة للسفن الأمريكية
أصدر المركز عدة توصيات للمشغلين البحريين، منها:
– رفع مستوى التأهب الأمني إلى الدرجة القصوى.
– تجنب الاقتراب من المناطق الساحلية اليمنية.
– اتباع الإرشادات الأمنية (BMP-MS) لمكافحة القرصنة.
– الإبلاغ الفوري عن أي نشاط مشبوه للمنظمة البحرية البريطانية (UKMTO).
– النظر في تغيير المسارات البحرية لتجنب المناطق عالية الخطورة.
تداعيات اقتصادية وأمنية.. هل نشهد أزمة شحن عالمية جديدة؟
يعتبر مضيق باب المندب والبحر الأحمر شريانًا حيويًا للتجارة بين أوروبا وآسيا، حيث يمر عبره ما يقارب 30% من حركة الحاويات العالمية، وأكثر من 4.8 مليون برميل نفط يوميًا. أي تعطيل لهذا الممر سيؤدي إلى:
– ارتفاع أسعار النفط عالميًا.
– تأخير وصول السلع، مما يزيد من التضخم.
– زيادة تكاليف الشحن بسبب تحويل السفن حول رأس الرجاء الصالح.
هل ستتدخل القوات الأمريكية مباشرة؟
في الوقت الحالي، لم تعلن الولايات المتحدة عن نيتها نشر قوات بحرية إضافية في المنطقة، لكنها قد تضطر إلى ذلك إذا استمرت الهجمات. الأسطول الأمريكي الخامس المتمركز في البحرين يملك قدرات على اعتراض الصواريخ والطائرات المسيرة، لكن أي مواجهة مباشرة مع الحوثيين قد تفتح جبهة جديدة في الصراع الإقليمي.
ردود الفعل الدولية.. من يتحمل المسؤولية؟
إيران، التي تنفي علاقتها المباشرة بهجمات الحوثيين، حذرت من أن أي ضربة أمريكية ضد حلفائها في اليمن ستواجه برد مماثل. واتهمت واشنطن بـ”إشعال المنطقة”.
ردود الفعل الأوروبية: دعوات لضبط النفس
دعت دول أوروبية، بما فيها فرنسا وألمانيا، إلى “تهدئة الأوضاع”، معربة عن قلقها من انهيار الأمن البحري في المنطقة. كما ناشدت الأمم المتحدة جميع الأطراف “الامتناع عن التصعيد”.
موقف إسرائيل: التصعيد مستمر
إسرائيل، التي تتهم إيران بالوقوف خلف كل الهجمات، أعلنت أنها “مستعدة لمواجهة أي تهديد”، بينما تستمر ضرباتها في غزة، مما يزيد من تعقيد المشهد الإقليمي.
هل نكون على شفا حرب إقليمية شاملة؟
الوضع في البحر الأحمر يشبه “برميل بارود” جاهز للانفجار في أي لحظة. التهديدات الحوثية، الردود الأمريكية، والتوتر الإسرائيلي-الإيراني، جميعها عوامل قد تدفع المنطقة إلى مواجهة أوسع، مع تداعيات خطيرة على الاقتصاد العالمي.
السؤال الآن: هل ستنجح الدبلوماسية في تهدئة الأوضاع؟ أم أننا أمام فصل جديد من الصراع قد يعيد رسم خريطة التحالفات في الشرق الأوسط؟
في غضون ذلك، تبقى السفن التجارية في مرمى النيران، والعالم يراقب بقلق تطورات الأيام القادمة.