صدى الواقع اليمني- بقلم: ✍️ ياسر غيلان المسوري



لم تكن رصاصة، بل كانت جريمة ممنهجة بحق رجل سبعيني لا يملك سوى مصحفه، وبيت يأوي إليه، وزوجة تسانده، وقيم ترفض الانكسار..
صالح أحمد حنتوس، معلم القرآن ومجسد معاني الرجولة في زمن الانبطاح، ارتقى شهيدًا في ريمة، ففضح القتلة، وأيقظ في اليمانيين روح الكرامة التي حاول الطغاة دفنها.

في اللحظة التي حاصرته فيها مليشيا الحوثي بأكثر من خمسين طقمًا عسكريًا، لم يرفع الشيخ الراية البيضاء، بل حمل صوته ليكتب وصيته للعالم: جاءوا إليّ بدباباتهم.. قصفوني داخل المسجد.. وأنا لم أعتدِ على أحد.. أنا مظلوم.. لكنني اخترت المواجهة.. إن شاء الله شهادة في سبيل الله”.
هكذا كتب نهايته، لا كضحية، بل كبطل. لم يركع، لم يساوم، لم يفر، بل واجه، ومعه زوجته المجاهدة التي أصيبت وهي تسحب جثمانه تحت القصف، رافضة أن تتركه وحيدًا

الشيخ حنتوس لم يكن مطلوبًا جنائيًا، ولا قائداً عسكريًا، ولا رأس فتنة.. كان معلم قرآن، يدير دارًا لتحفيظ كتاب الله، أُغلقت قبل سنوات بقرار من المليشيات. جريمته الوحيدة: أنه ظل متمسكًا بمنبره، بمصحفه، بموقفه، رافضًا أن يُمسح من المشهد كما أرادوا.
قُتل لأنه يعلّم القرآن.. قُتل لأنه لا يخضع.. قُتل لأنه من طينة الرجال الذين لا يشترون الحياة بالذل.
فعن زوجته، فاطمة المسوري، حفيدة العلماء، أظهرت معدنًا لا يصدأ. أصيبت برصاصة وهي تحاول إنقاذ جثة زوجها، فصرخت: الحمد لله الذي شرفني باستشهاد زوجي.. والله لن أخرج إلا بجثته أو شهيدة مثله”.

مشهد يليق بأفلام البطولة، لكنه وقع في ريمة، في بيت قرآن، تحت قصف ميليشيا تدّعي نصرة الدين وهي تقتل حفاظه!
انفجرت مواقع التواصل، وعمّت بيانات النعي والإدانة كل المكونات الوطنية، من المؤتمر والإصلاح إلى الاتحاد الجمهوري، إلى تكتل الأحزاب إلى وزارة الأوقاف والحكومة ومجلس القيادة ومن كتاب اليمن إلى وزراء الدولة.
قال الوزير الأسبق خالد الرويشان: قتلتم شيخًا في الثمانين.. داخل بيته وأمام أهله! لم يكن معكم بندقية ولا شرف.. بل كانت معكم وصمة لن تُنسى. والنتيجة؟! أنكم من حيث لا تدرون، صنعتم لريمة بطلها ورمزها لعقود.”
أما الكاتب جمال أنعم فقال “هو شهيد الكرامة والقرآن.. واجه الطغيان أعزل إلا من الحق، ومات واقفًا، كما مات المكحل وآل مسعود، ليكتبوا جميعًا صفحة الخلاص.”

استشهاد الشيخ حنتوس ليس حادثة منعزلة، بل علامة فارقة. إنه يُذكر اليمنيين بأن من يركع للظلم اليوم، لن يجد غدًا مكانًا للصلاة.
صالح حنتوس لم يكن يبحث عن معركة، بل كانوا هم من جاؤوا بها إلى داره، ظنًا أنهم بكتيبة يمكن أن يكسِروا رجلًا عمره فوق السبعين. ففشلوا. ونجح هو في أن يصنع أيقونة، وأن يوقظ الضمير، وأن يقول لأبناء ريمة، واليمن كلّها: من قال لا في وجه الطغيان.. لا يموت أبدًا.”

صالح حنتوس استشهد، لكن صوته باقٍ. ومشهده الأخير – ممسكًا بمصحفه، محاصرًا بجرافات الغدر، وزوجته المصابة تصرخ باسمه – سيظل يلاحق القتلة، ويُلهم الأحرار.
لقد قال كلمته، وأدى رسالته، وسجّل اسمه في سجل الشرفاء.
سلامٌ عليك يا شيخ القرآن.. سلامٌ على الجرح النازف في ريمة.. وسلامٌ على اليمن، وهي تسترد وعيها بك.

🔗 رابط مختصر:

اترك رد