صدى الواقع اليمني – تقرير: حسين الشدادي
تشهد محافظة تعز خلال الأعوام الأخيرة تحولاً لافتاً في خارطة الاستخدام الزراعي للأراضي، إذ توسّعت زراعة القات بصورة متسارعة وغير مسبوقة، ما أدى إلى استحواذ هذه الزراعة على مساحات واسعة كانت مخصصة تقليدياً لمحاصيل غذائية استراتيجية.
هذا التحول، الذي يتسم بطبيعة فردية غير محكومة بسياسات تنظيمية واضحة، خلق فجوة بين احتياجات التنمية الزراعية المستدامة وبين الواقع الفعلي للاستثمار الريفي في المحافظة.
ضغط متزايد على الموارد المائية
تزامن هذا التوسع مع تراجع حاد في معدلات الأمطار الموسمية، الأمر الذي انعكس مباشرة على مناسيب المياه في الآبار السطحية ومصادر التغذية الجوفية، وشهدت مدينة تعز خلال العام الماضي أزمة شديدة في توافر مياه الشرب، وهي أزمة تتكرر هذا العام بالحدة ذاتها، ما يشير إلى اختلال خطير في منظومة إدارة الموارد المائية وتزايد حجم الطلب على حساب قوى العرض المتقلصة.
تُعد شجرة القات من أكثر المزروعات استهلاكاً للمياه، وتستخدم كميات تفوق قدرة قطاع المياه المحلي على التكيف مع هذا العبء، خصوصاً في ظل غياب بنية تحتية مائية قادرة على التعويض أو توسيع طاقة الإنتاج المائي.
تدفّق شتلات جديدة… واتساع متسارع لرقعة زراعة القات
في ديسمبر و يناير وفبراير من كل عام، تتدفق إلى محافظة تعز دفعات كبيرة من شتلات القات القادمة من منطقة ماوية شمال المحافظة، ومن محافظات ذمار ومنطقة رداع بالبيضاء وغيرها، هذا التدفق الموسمي يعزز توسع الرقعة المزروعة، ويقوّي سلسلة العرض المرتبطة بسوق القات، دون وجود سياسة واضحة لإدارة المخاطر الزراعية أو تقييم الأثر البيئي-المائي لهذا التوسع.
في المقابل، تمتنع الجهات المعنية في محافظة تعز عن اتخاذ أي إجراءات فعّالة للحد من دخول شتلات قات جديدة، ونظراً لصعوبة إتلاف مزارع قائمة أو تعويض مالكيها في ظل محدودية الموارد الحكومية، يظل خيار منع دخول شتلات قات جديدة إلى محافظة تعز خيار استباقي وغير مكلف وخيار أكثر قابلية للتطبيق على المدى القصير.
غياب التنظيم… وتراجع الجدوى التنموية
إن توسع زراعة القات على حساب المحاصيل الغذائية يخلق آثاراً جانبية متعددة، من أبرزها:
انكماش الإنتاج الغذائي المحلي وارتفاع الاعتماد على واردات غير مستقرة.
زيادة الطلب على المياه في محافظة تعاني أصلاً من عجز هيكلي في البنية المائية.
تآكل فرص الاستثمار الزراعي المنتج لمشاريع قادرة على خلق قيمة مضافة وتشغيل حقيقي.
تعميق فجوة الأمن الغذائي في منطقة تعاني أصلاً من تحديات اقتصادية وإنسانية معقدة.
الحاجة إلى استراتيجية تدخل متوازنة
تحتاج محافظة تعز إلى مقاربة حكيمة تتعامل مع القضية بروح من التوازن بين الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، ومن بين الإجراءات الأكثر أولويّة:
1. منع دخول شتلات القات الجديدة عبر قرار إداري واضح يحد من توسع الرقعة المزروعة بشجرة القات.
2. إطلاق برامج تحفيزية للمزارعين للتحول نحو محاصيل ذات مردود اقتصادي مستقر واستهلاك مائي أقل.
3. تطوير شراكات تنموية مع منظمات دولية لتمويل مشاريع إدارة المياه وحصاد مياه الأمطار.
4. إعداد استراتيجية زراعية طويلة الأمد توازن بين استدامة الموارد وتنمية الريف.
تعز بحاجة إلى إدارة أكثر فاعلية لأصولها الطبيعية ومواردها المحدودة، بما يضمن حماية الأمن المائي ويعيد توجيه الاستثمار الزراعي نحو أنشطة أكثر إنتاجية واستدامة.
إن معالجة التحديات المرتبطة بتوسع زراعة القات لا تتطلب مواجهة مباشرة مع المزارعين بقدر ما تحتاج إلى حلول ذكية، تدريجية، قائمة على منع دخول شتلات قات جديدة إلى محافظة تعز وإلى الحوافز والسياسات التنظيمية الحديثة، بما يضمن الحفاظ على التوازن البيئي ودعم النمو الاقتصادي المحلي في آن واحد.

