صدى الواقع- تحقيق: حسين الشدادي

في السنوات الأخيرة، تزايدت مظاهر الثراء المفاجئ داخل بعض الأوساط الإدارية في المحاكم اليمنية، خاصة في المناطق الريفية من محافظة تعز التي يفترض أن تظل فيها الوظائف العامة محدودة الدخل ومراقَبة الإنفاق.
هذا التحول المادي السريع يثير تساؤلات حقيقية حول منظومة الرقابة المالية داخل الجهاز القضائي، ومدى التزام بعض المسؤولين بالإفصاح عن مصادر أموالهم وذممهم المالية.

المنصب والإمكانات القانونية للثروة

يُعد رئيس قلم الكتاب في المحكمة الابتدائية أحد أهم المفاصل الإدارية داخل المحاكم اليمنية.
فهو المسؤول عن:

إدارة الملفات القضائية وتوثيق الأحكام.

تحصيل الرسوم القضائية والغرامات وتوريدها إلى الخزينة العامة.

الإشراف على حركة السجلات والمراسلات الرسمية.

هذه المهام تمنحه نفوذاً إجرائياً حساساً، لكنه لا يخول له قانوناً أي تعامل مباشر مع الأموال العامة خارج إطار النظام المالي المحدد.

بحسب اللوائح القضائية، لا تتجاوز مخصصات رئيس قلم الكتاب رواتب ومكافآت شهرية محدودة لا تسمح بتكوين ثروة كبيرة خلال فترة وجيزة.

مؤشرات الثراء غير المتناسب

خلال الأعوام الأخيرة، ظهرت في إحدى المديريات الريفية بمحافظة تعز مؤشرات لافتة لثراء سريع لدى موظف قضائي يشغل منصب رئيس قلم الكتاب في المحكمة الابتدائية المحلية.
تتحدث مصادر محلية عن امتلاكه أصولاً عقارية ومركبات حديثة ومشروعات صغيرة خلال فترة لا تتجاوز بضع سنوات، وهي مؤشرات لا تتناسب مع الدخل الرسمي المعروف لهذا المنصب.

ورغم أن هذه المؤشرات لا تمثل دليلاً قطعياً على الفساد المالي، إلا أنها تستدعي فتح تحقيق رسمي شفاف من قبل الجهات المعنية لتوضيح مصادر الدخل وحجم الذمة المالية.

مسؤولية المؤسسات الرقابية

القوانين اليمنية، وعلى رأسها قانون مكافحة الفساد رقم (39) لسنة 2006م، تلزم موظفي الدولة بتقديم إقرارات بالذمة المالية، وتخوّل الهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد وهيئة التفتيش القضائي بمتابعة أي تضخم غير مبرر في الثروة.

ومن هنا، يصبح فحص الذمة المالية لموظفي المحاكم ضرورة أخلاقية وقانونية لإعادة الثقة بالمؤسسة العدلية وتعزيز مبدأ النزاهة في مؤسسات الدولة.

دعوة للمساءلة والشفافية

إن الظاهرة لا تخص شخصاً بعينه بقدر ما تعبّر عن مشكلة بنيوية في الرقابة الإدارية داخل بعض المحاكم.
فغياب نظام الإفصاح المالي، وضعف المتابعة الرقابية، وغياب قاعدة بيانات واضحة لممتلكات الموظفين، فتح المجال أمام تضارب المصالح واستغلال النفوذ الوظيفي.

لذلك، يوجه هذا التحقيق دعوة رسمية إلى:

الهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد

هيئة التفتيش القضائي بوزارة العدل
لفحص الذمة المالية للموظف محل التساؤل، والتحقق من سلامة مصادر ثروته بما ينسجم مع القوانين السارية.

نحو عدالة نظيفة وشفافية مستدامة

تسليط الضوء على ثراء بعض الموظفين داخل المحاكم لا يعني المساس بسمعة القضاء، بل يمثل مساهمة صحفية مسؤولة في تعزيز النزاهة المؤسسية.
فالعدالة لا تُقاس بعدد القضايا المحسومة فقط، بل أيضاً بقدرتها على حماية المال العام من الاستغلال الخفي داخل مؤسساتها.
إن مساءلة من يثرون في مواقع العدالة واجب وطني قبل أن يكون مهنياً.

🔗 رابط مختصر:

اترك رد