صدى الواقع اليمني – كتب: حسين الشدادي
لطالما كان القرآن وما يحمله من إشارات كونية وطبية موضع تدبر واهتمام، خاصةً في الآيات التي تتناول خلق الإنسان ووظائف جسده.
ومن السرديات الشائعة بقوة في الموروث الإسلامي التفسيري والوعظي، ما يتعلق بالآية : “كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ” النساء: 56 ، حيث يُفهم من هذه الآية أن الجلد هو المركز الوحيد والحصري للإحساس بالألم، وأن نضج الجلد (احتراقه) يزيل عنه خاصية الإحساس، ولولا التبديل لما استمر العذاب.
ومع التطور الهائل الذي شهده العلم الحديث في فسيولوجيا الأعصاب، أصبح لزاماً علينا أن نضع هذه السردية في سياق معرفي متكامل، ستند إلى حقائق التشريح والوظيفة العضوية المثبتة.
ف التحليل العلمي لوظيفة الجلد والإحساس بالألم
يؤكد علم وظائف الأعضاء (الفسيولوجيا) الحقائق التالية:
الجلد ليس مركز الإحساس في جسم الانسان؛ المركز الحقيقي لإدراك وتفسير الألم هو الدماغ، تحديداً القشرة الحسية الجسدية في الفص الجداري، الإحساس ينطلق من المستقبلات (في الجلد وغيره) ويُفسَّر في المخ.
الجلد ك مستقبل أولي: الجلد، يعتبر واحد من أعضاء الجسم، وهو يضم بالفعل كثافة عالية جداً من مستقبلات الأذية (Nociceptors) والنهايات العصبية الحرة، هذه المستقبلات مسؤولة عن الألم السطحي السريع وهي بمثابة “نظام إنذار مبكر” يتيح للجسم الرد السريع على مصدر الخطر.
الأنسجة العميقة تحس بالألم: على خلاف السردية الإسلامية الشائعة، فإن الأنسجة الواقعة تحت الجلد ك العضلات، والأوعية الدموية، والسمحاق (غشاء العظام)، والأعصاب الرئيسية، تحتوي جميعها على مستقبلات ألم خاصة بها.
وعندما تُصاب هذه الأنسجة بشكل مباشر (كما في الحروق العميقة التي تتجاوز الجلد)، فإنها تولد ألمًا عميقًا وحارقًا وشديدًا يفوق في شدته الألم السطحي في وجود الجلد.
الألم بعد الحرق الكامل: إذا افترضنا جدلاً فقدان جسم الإنسان للجلد بالكامل، فإن التعرّض لمصدر حراري ك النار سيؤدي إلى إحساس بالغ الشدة ناتج عن تلف الأنسجة العميقة المكشوفة مباشرةً، وليس زوالاً كاملاً للإحساس كما يُفهم من السردية الإسلامية.

