صدى الواقع اليمني – كتب : حسين الشدادي
خاضت مصر تجارب مريرة في صراعها مع إسرائيل، بدأت بالحرب العربية الإسرائيلية الأولى عام 1948، مرورًا بحرب السويس عام 1956، ثم نكسة يونيو 1967، وحرب الاستنزاف في نفس العام، وصولًا إلى حرب أكتوبر المجيدة عام 1973. وقد كلفت تلك الحروب مصر خسائر بشرية ومادية فادحة، ففي حرب الاستنزاف وحدها سقط أكثر من عشرة آلاف قتيل من الجنود والمدنيين، وأصيب ما يزيد على سبعة آلاف، فضلًا عن فقدان 114 طائرة حربية وخسائر فادحة في المعدات والآليات العسكرية. أما على الصعيد الاقتصادي، فقد تسببت تلك الحروب في شلل حيوي، مثل توقف قناة السويس عن العمل، وتراجع النشاط السياحي، مما انعكس سلبًا على الاقتصاد الوطني.
غير أن بوابة التحول جاءت مع توقيع اتفاقيات كامب ديفيد عام 1978، وما تبعها من معاهدة السلام في مارس 1979، حيث انفتحت أمام مصر آفاق جديدة، فتلقت مساعدات أمريكية تجاوزت 40 مليار دولار حتى عام 2000، ولا تزال تحصل على ما يزيد عن 2 مليار دولار سنويًا. وعادت قناة السويس إلى العمل، ونشطت السياحة، وتعافى الاقتصاد نسبيًا، لتبدأ مصر مرحلة استقرار سياسي واقتصادي طويل الأمد.
وعلى الجانب الآخر، يبلغ عدد سكان مصر اليوم نحو 120 مليون نسمة، مقابل ما يقرب من مليوني نسمة في قطاع غزة، نزح منهم قرابة مليون، وسقط منهم عشرات الآلاف بين قتيل وجريح، ولم يتبقَّ في القطاع سوى نحو مليون نسمة على الأكثر، في أوضاع إنسانية مأساوية.
لكن السياسة لا تقاد بالعواطف، بل بالحكمة وتقدير الأولويات. فلو كنت رئيسًا لمصر، وتحتم عليّ الاختيار بين إنقاذ مليون إنسان في غزة، على حساب تهديد أمن وسلامة ورفاهية 120 مليون مواطن مصري هم أمانتي ومسؤوليتي، لاخترت الحفاظ على شعبي. وهذا ما يفعله الرئيس عبد الفتاح السيسي، الذي يقود مصر بعقلانية سياسية نادرة، تستحق الاحترام والتقدير. فهو لم ينجرف إلى هاوية المغامرات، كما يفعل أمثال عبد الملك الحوثي، الذي لو كان في موقع السيسي، لزجّ بمصر في أتون حرب مدمرة مع إسرائيل، وانتهى بالمصريين إلى أوضاع أشد قسوة من مأساة غزة نفسها.
إن الفرق بين القائد الحكيم والمغامر المهووس هو الفاصل بين بقاء الأمم وهلاكها.