صدى الواقع اليمني – تقرير: حسين الشدادي

منذ سنوات، يشهد اليمن حرباً معقدة الأطراف، تتداخل فيها الأبعاد المحلية والإقليمية والدولية. ومع اشتداد المعارك على جبهات مختلفة، تحرص كل جهة على امتلاك أوراق ضغط سياسية وإعلامية. مؤخراً، فجّرت المقاومة الوطنية جدلاً واسعاً حين أعلنت — عبر مؤتمر صحفي وبيانات متتالية — أن الحوثيين حصلوا على أسلحة كيميائية وبيولوجية بدعم مباشر من إيران.
لكن، ورغم خطورة الادعاء، لم تُقدَّم أي أدلة مادية أو تقارير مختبرية تؤكد صحة الرواية، ما أثار تساؤلات حول الدوافع الحقيقية وراء هذا الإعلان.

البداية: تصريح مثير للجدل



قبل أيام، صرّح المتحدث باسم المقاومة الوطنية بأن الحوثيين يصنعون أسلحة بيولوجية بدعم إيراني. التصريح قوبل بتشكيك واسع، خاصة أن إيران نفسها لا يُعرف عنها امتلاك ترسانة بيولوجية فعلية، وفق تقارير دولية. ومع ضعف تقبل الرأي العام لهذه الفرضية، خفت الحديث عنها تدريجياً.

عودة القضية إلى الواجهة



بعد أيام، نشرت الوطنية اعترافات مصوّرة لأشخاص قالت إنها ألقت القبض عليهم أثناء تهريب شحنة أسلحة للحوثيين. وفي المؤتمر الصحفي، عرضت الوطنية أسلحة تقليدية تم ضبطها، لكنها أضافت أن بين المضبوطات مواد كيميائية خطيرة. المثير للانتباه أن هذه المواد لم تُعرض على الكاميرات، ولم يُكشف عن أي نتيجة فحص أو تقرير من مختبر محايد.

غياب الدليل العلمي



خبراء أمنيون وعسكريون تحدثوا إلينا — طلب بعضهم عدم ذكر أسمائهم — أشاروا إلى أن الاتهامات المتعلقة بأسلحة كيميائية أو بيولوجية تستدعي عادة:

1. أخذ عينات وإرسالها إلى مختبرات معتمدة من منظمة حظر الأسلحة الكيميائية (OPCW).


2. توثيق سلسلة الحيازة (Chain of Custody) من لحظة الضبط حتى التحليل.


3. إعلان النتائج عبر جهات دولية محايدة.



حتى لحظة كتابة هذا التحقيق، لم تُعلن الوطنية أو أي جهة رسمية عن أي من هذه الخطوات.

المنطق العسكري ضد الادعاء



من الناحية الميدانية، الحوثيون هم الطرف الأقوى على الأرض في معظم جبهات القتال، ويحققون مكاسب باستخدام أسلحة تقليدية متطورة وصواريخ وطائرات مسيّرة إيرانية الصنع أو معدلة محلياً.

امتلاكهم لأسلحة كيميائية أو بيولوجية لن يضيف لهم تفوقاً عملياً، بل قد يعرّضهم لعزلة دولية وضربات عسكرية مباشرة، ويثير غضباً شعبياً في المناطق التي يسعون للسيطرة عليها. ببساطة، لا حاجة استراتيجية أو تكتيكية لهذا النوع من الأسلحة بالنسبة لهم، بينما الحاجة الحقيقية تكمن في استمرار تدفق الأسلحة التقليدية والدعم التقني، وهو ما يحصلون عليه بالفعل من إيران.

الدافع المحتمل: الابتزاز السياسي



محللون يرون أن الوطنية قد تستخدم ملف “الكيماوي” كأداة لابتزاز المجتمع الدولي، عبر تصوير الحوثيين كتهديد إقليمي ودولي يتجاوز الصراع اليمني، على أمل أن يدفع ذلك القوى الكبرى إلى زيادة الضغوط أو التدخل المباشر.
هذه الاستراتيجية ليست جديدة في النزاعات؛ إذ تلجأ أطراف الصراع إلى تضخيم بعض المخاطر لانتزاع مواقف أو دعم سياسي وعسكري.




حتى الآن، لا توجد أدلة علمية تثبت امتلاك الحوثيين أسلحة كيميائية أو بيولوجية. الرواية التي تقدمها الوطنية تبقى في إطار الادعاءات الإعلامية التي تحتاج إلى إثبات. وفي ظل غياب الدليل، يصبح الحديث عن “فزاعة الكيماوي” أقرب إلى ورقة سياسية تُستخدم في معركة النفوذ، أكثر منه انعكاساً لحقيقة ميدانية.

🔗 رابط مختصر:

اترك رد