صدى الواقع اليمني – كتب: حسين الشدادي

من واقع دراستي الأكاديمية للصحافة في جامعة صنعاء، ومن خلال تجربتي العملية في عدد من الصحف الورقية قبل أن تتراجع وتختفي مع صعود الإنترنت وانتشار الهواتف الذكية ووسائل التواصل الاجتماعي، أستطيع القول إن المشهد الإعلامي في اليمن شهد تحولاً عميقاً وجذرياً.

فاليوم، لم يعد الناس يستقون أخبارهم من الصحف أو المنصات المهنية التي تلتزم بمعايير التحقق والتوازن، بل أصبح الاعتماد شبه الكامل على ناشطين في منصات مثل “فيسبوك” ناشطين لا يمارسون العمل الصحفي بالمعنى المهني، بل يتعاملون مع الأخبار والتعليقات كوسيلة تعبير أو وسيلة تأثير.

الكثير من هؤلاء الناشطين يمتلكون كاريزما شخصية أو مهارة تواصلية جعلتهم يحظون بمتابعة واسعة، لكن دون امتلاكهم أي وعي مهني أو أدوات معرفية تتعلق بالتحقق، أو فهم لطبيعة الخبر ومسؤولية نشره.

ومع غياب المعايير المهنية، تحوّل كثير منهم إلى أذرع دعائية تابعة لجهات سياسية أو عسكرية داخل الصراع اليمني، تُستخدم لتوجيه الرأي العام ضمن ما يمكن تسميته بـ”اقتصاد الانتباه الدعائي”.

هؤلاء المشاهير يقومون بثلاث مهام رئيسية:

1. نشر الروايات الجاهزة التي تُقدم لهم من الجهة التي تدعمهم، بغض النظر عن مصداقيتها.


2. التعليق الموجّه على الأحداث بطريقة تخدم الخط السياسي للجهة نفسها.


3. صناعة الترند؛ أي خلق حالة من التركيز الجمعي حول موضوع محدد يراد له أن يشغل الرأي العام ويغطي على أحداث أكثر أهمية أو حساسية.



وهكذا يُعاد تشكيل الوعي الجمعي، ليس وفق ما هو حقيقي، بل وفق ما يراد للجمهور أن يراه ويؤمن به.
ففي حين تُسلّط الأضواء على قضية واحدة وتُناقش لأيام في المقيل وعلى وسائل التواصل، تُحجب في المقابل قضايا أخطر وأعمق لأنها تمس مصالح الجهات التي تصنع “الترند”.

إن ما يحدث اليوم في اليمن هو انهيار لمعيار المصداقية في بيئة الاتصال الجماهيري، حيث لم يعد الصوت الأعلى هو الأكثر مهنية، بل الأكثر ضجيجاً وتأثيراً.

وهنا تكمن الخطورة، لأن المجتمعات التي تُدار بالمعلومات المضللة لا يمكن أن تتخذ قرارات رشيدة أو تبني رأياً عاماً ناضجاً.

إن العودة إلى الصحافة المهنية ليست رفاهية ولا حنيناً للماضي الورقي، بل ضرورة وطنية لاستعادة وعي الناس وحقهم في معرفة الحقيقة كما هي، لا كما يراد لهم أن يروها.

ف الصحافة حين تلتزم بالتحقق والتوثيق تُمكّن المجتمع من الفهم، أما حين تُستبدل بـ”الترندات”، فإنها لا تصنع وعياً بل تصنع انفعالاً.

🔗 رابط مختصر:

اترك رد