صدى الواقع اليمني – كتب : حسين الشدادي
حين عدت من جبهات القتال قبل أربع سنوات من هذا اليوم كنت أحمل في يدي مال لا بأس به جمعته بعرق الجبهات ونارها وفي قلبي حلم صغير يكبر حلم بمشروع يليق بكرامتي وتعب السنين شرعت أعد دراسة جدوى لمحطة تحلية مياه في مدينة تعز ورسمت ملامح البداية على قدر ما أملك من مال وإرادة.
بدأت رحلة البحث عن موقع حتى وقعت عيناي على محل يتكون من فتحتين في عمارة يملكها أحد أقربائي في مدينة تعز توجهت إليه طالبا ً استئجار المحل ف تغيرت ملامحه وأخذ يبرر ويشرح أن المكان لا يصلح لأي مشروع وأن المنطقة ميتة تجاريا ً ولن تكتب لأي فكرة فيها حياة قلت له ما علي من كل هذا أريد المحل فقط والباقي على الله ثم اكتشفت بعد أشهر أنه قد أجره لغيري فتح فيه بقالة لبيع المواد الغذائية!…
لم أنزعج كثيرا ً ف المحل ليس عائقا ً وكنت على يقين أني سأجد بديلاً المهم كان اهتمامي توفير الماكينات والأدوات وكل ما يلزم من تجهيزات لكنني اصطدمت بواقع مرير لا شيء من ذلك متوفر في تعز وكل شيء في صنعاء حيث لا أستطيع الذهاب إلى صنعاء وقد عدت لتوي من الجبهات التي كنت فيها شوكة في حلق الحوثيين ومطلوب لديهم لا لشيء سوى أنني رفضت فكرتهم وفكّكت رموز زيفهم وقلت لا حين قالوا إن فكرتهم فكرة السماء والحق المطلق…
كنت أقاتلهم عن وعي ولم أكن يوما مغررا بي وهذا في شرعهم جرم لا يغتفر لم أجد من يعينني بثقة أو يجتهد معي بصدق فتركت المشروع وأدرت ظهري لحلم كان ليبدو واعدا ً واليوم أرى محطات المياه في تعز تتصدر وتغدو من أنجح المشاريع وكأنني كنت أقرأ الغيب يوماً أو أن قلبي كان أسبق من عقلي في استشراف الحاجة….
ثم ك أبناء قريتي ذهبت مذهبهم وزرعت القات كانت الأرض خصبة والماء وفير والوادي لا يخون زارعيه والمردود يغدق علي وأنا نائم لا أفعل شيئ حتى المطر تغير في عيني من ضيف ثقيل يربك البيت ويحبسني إلى بشير خير طالما رجوت قدومه…
لكن في السنة الثانية انحسر المطر وفي هذه السنة الحالية بالذات لم يهطل قطرة حدث لم يسجل في ذاكرة الأرض منذ مئات السنين…
وبغياب الماء يبست غرسي وماتت أحلامي واقفة ك الأشجار اليابسة وأنا أنظر إليها كأنما شيعت جنازة قلبي…
فهل أخطأت حين لم أُحكم خطتي علميا؟ أم أن الحظ العاثر كان لي بالمرصاد؟ لقد وزنت كل شيء بعقلي وجمعت بين الأسباب والدعاء وتوكلت على الله وركنت إليه لكنه ويا للأسى خذلني…
كأنما أغلق السماء في وجهي التي كانت تنهمر علي حين لم أزرع وتمنعت حين أمسكت بزمام الحلم…
فما السبيل إذن إلى عيش كريم في هذه البلاد اللعينة؟ لا قواعد لا قوانين لا منطق للرزق أو للنجاح هنا وحدها البركة تطعم الناس وتقيهم لا خطط ولا فرضيات ولا يقين.