صدى الواقع اليمني – تقرير: خاص

صدى الواقع اليمني

في مجتمعات تُفترض فيها القداسة لمهنة التعليم، وتُقدَّم فيها المدارس كمنارات للعلم والأخلاق، تتسلل أحياناً يد الخيانة من داخل أكثر الأماكن طهراً، لتغتصب الحلم قبل الجسد، وتنسف الثقة قبل أن تُزهق الكرامةهذه ليست قصة من رواية خيالية أو فيلم مظلم، بل حقيقة مُرَّة عاشتها الطالبة اليمنية مصباح الجابري، التي تحوّلت من طالبة طموحة تسعى للنجاح إلى ضحية لانتهاك مزدوج: الأول من معلمها، والثاني من منظومة العدالة التي كان يُفترض أن تنصفها لا أن تقضي عليها.

المعلم الجاني… وخيانة الأمانة





كانت مصباح واحدة من مئات الفتيات اللاتي يحلمن بمستقبل تعليمي مشرق، ويعتمدن على معلميهن كدعامات للعلم والفضيلة. لكنها وقعت ضحية لمعلمين لم يكتفوا بخرق مواثيق المهنة، بل خانوا الأمانة الأخلاقية والدينية التي يحملونها.

تشير المعلومات إلى أن أحد معلمي مصباح لم يكتفِ فقط بالتورط في انتهاك شرف الطالبة بمساعدة أحد طلابه – والذي جرى تهريبه لاحقاً إلى خارج البلاد – بل مارس سلطته وسُلطته داخل المؤسسة التعليمية للتستر على الجريمة، في استغلال واضح لقدسية موقعه وسلطته المجتمعية.

إن هذا السلوك لا يُعد جريمة جنائية فحسب، بل سقوطاً أخلاقياً ومهنياً صادماً، يعيد إلى الأذهان الحاجة الماسة إلى إعادة فحص منظومة التوظيف والإشراف والمساءلة في المؤسسات التعليمية، وخاصة في ما يتعلق بحماية الطالبات.

ضحيتان وجُناة… ولكن العدالة مقلوبة



المأساة لم تتوقف عند هذا الحد. فالصدمة الثانية التي تلقتها مصباح – وربما الأقسى – جاءت من منظومة العدالة، التي كان يُفترض أن تكون حصنها وملاذها الأخير. ففي وقت فرّ فيه الجاني خارج البلاد، وظلت قضيته طيّ الإهمال، تم تحميل الضحية وزر ما جرى، وصدر بحقها ما يشبه الحكم المجتمعي والقانوني معاً، في تجاهل فاضح للمعايير الإنسانية والدينية التي تنص بوضوح على إدانة المعتدي لا المعتدى عليه.

ما حدث مع مصباح هو تجسيد صارخ لمفهوم “العدالة المقلوبة”، التي تجرّم الضحية وتبرئ الجلاد، وتعكس خللاً أخلاقياً ومؤسسياً يستوجب الوقوف أمامه بمسؤولية وشجاعة.

استغاثة في وجه الغياب الرسمي





من خلال مقطع فيديو مؤثر، أطلقت الطالبة مصباح الجابري نداءها الأخير، مخاطبةً رئيس الجمهورية، والنائب العام، ووزير العدل، والمنظمات الحقوقية والإنسانية، وكل من “لا يزال يحمل ذرة إنصاف”، أن يُعيدوا النظر في قضيتها، وأن يُنصفوها، لا لشيء إلا لأنها إنسانة كُسرت مرتين: مرة بفعل الجريمة، ومرة بصمت العدالة.

الفتاة لا تطلب شفقة، بل تطلب حقها المشروع، ورد اعتبارها، وتطبيق الشريعة الإسلامية والقانون اليمني، الذي يجرّم مثل هذه الانتهاكات تحت بنود واضحة وصريحة، تؤكد أن “الاعتداء على القُصَّر والطلاب يعد جريمة مشددة تستوجب أقصى العقوبات”.

إلى متى الصمت؟





قضية مصباح ليست الأولى، ولن تكون الأخيرة، ما لم يتم فتح ملف التحقيق الشفاف، وإعادة النظر في الإجراءات القضائية التي رافقت قضيتها، ومحاسبة كل من ساهم في تشويه العدالة، سواء بالتواطؤ أو بالتقصير.

كما لا بد من إطلاق حملة توعية وطنية لحماية الطالبات من مثل هذه الانتهاكات، وتفعيل دور الرقابة داخل المدارس، ووضع آليات سريعة للإبلاغ عن التحرش والاعتداءات، بعيداً عن الضغط المجتمعي والتشهير الذي قد يُرهِب الضحايا.

حين يغدو التعليم ساحةً لانتهاك الحلم





إن ما حدث مع مصباح الجابري ليس مجرد حادثة عابرة، بل ناقوس خطر يدقّ في قلب كل مؤسسة تعليمية وأمنية وقضائية. وهو امتحان صعب للدولة اليمنية، ولضمير كل مسؤول، ولكل مواطن يؤمن بالحق والكرامة والعدالة.

إنصاف مصباح لا يقتصر على جبر ضرر شخصي، بل هو إنصاف لكل فتاة يمنية قد تواجه المصير ذاته إذا استمر هذا الصمت والتواطؤ، وهو اختبار حقيقي لمدى التزام الدولة والمجتمع بحماية أبنائه، وخاصة الفتيات، من الاستغلال والانتهاك، أياً كان مرتكب الجريمة، ومهما كانت صفته.

🔗 رابط مختصر:

اترك رد