صدى الواقع اليمني – تقرير: خاص

في مشهد يعكس العبث الذي طال مؤسسات الدولة اليمنية، وخصوصًا المؤسسة العسكرية، شهدت قيادة محور البقع بمحافظة صعدة (شمال اليمن)، خلال الأيام الماضية، مراسم تسليم واستلام رسمية لقيادة المحور العسكري الاستراتيجي، بحضور قيادات يمنية وسعودية، وبتنسيق مباشر مع قيادة التحالف العربي. وقد تم خلالها تكليف اللواء الركن رداد الهاشمي قائداً للمحور خلفًا للواء الركن عبدالرحمن اللوم.

الخبر مرّ مرور الكرام في بعض الوسائل الرسمية، لكنّه فجّر موجة غضب وسخط عارمة على مواقع التواصل الاجتماعي، وبين أوساط الجنود والضباط، وحتى المواطنين البسطاء، الذين لم ينسوا بعد الكارثة التي مُني بها الجيش اليمني في وادي آل أبو جبارة قبل سنوات، عندما كان الهاشمي قائداً لمحور كتاف وقائدًا للواء الفتح.

فما الذي يحدث؟ وكيف تحوّلت الهزيمة إلى وسيلة للترقية؟ وهل باتت المؤسسة العسكرية رهينة الولاءات والترضيات، لا الكفاءة والإنجاز؟

من هو رداد الهاشمي؟



رداد الهاشمي، شخصية مثيرة للجدل تنتمي إلى التيار السلفي، اشتهر بمشاركته في القتال ضد الحوثيين في معهد دماج عام 2013. لكنّه لا يحمل أي مؤهل أو خبرة عسكرية نظامية، وقد قفز فجأة إلى واجهة المشهد العسكري كقائد للواء الفتح في محور كتاف على الحدود السعودية، بدعم مباشر من التحالف العربي.

لم يكن لواء الفتح كيانًا نظاميًا ضمن قوات الجيش اليمني الرسمية؛ بل تشكّل بشكل مرتجل خارج نطاق وزارة الدفاع اليمنية، وجُهّز بإشراف سعودي مباشر، ما وضعه منذ البداية في خانة التكوينات الهشة غير القابلة للصمود في وجه المعارك الحقيقية.

الكارثة: معركة وادي آل أبو جبارة – كتاف (أغسطس 2019)


في أواخر أغسطس 2019، وتحديدًا في وادي آل أبو جبارة، سقط ثلاثة ألوية عسكرية كاملة كانت متمركزة في محور كتاف – صعدة، ضمن عملية هجومية خاطفة نفذتها ميليشيا الحوثي، ووصفت لاحقًا بـ”أكبر عملية استدراج للتحالف منذ بدء الحرب”، حسب تعبير الناطق العسكري للحوثيين.

أسفرت العملية عن مقتل أكثر من 500 جندي، وأسر أكثر من 2000 آخرين، بينهم يمنيون وسعوديون، مع الاستيلاء على كميات ضخمة من الأسلحة والمعدات. وقد ظهرت مشاهد صادمة للمئات من الجنود الأسرى، والآليات التي وقعت في قبضة الحوثيين دون أي مقاومة تذكر.

وكان رداد الهاشمي هو المسؤول الأول ميدانيًا وعسكريًا عن تلك القوات، بصفته قائد لواء الفتح ومحور كتاف.

من المسؤول؟ أين التحقيق؟ وأين المحاسبة؟



منذ ذلك الحين، لم تفتح وزارة الدفاع اليمنية أي تحقيق رسمي، ولم تشكّل لجنة عسكرية لتقصي الحقائق. ولم يُقدّم الهاشمي – ولا أي من الضباط الآخرين المتورطين في تلك الكارثة – إلى محاكمة عسكرية، رغم بشاعة الخسائر.

وقد اكتفى الهاشمي لاحقًا بتسجيل صوتي يتحدث فيه عن “ثغرات في الميسرة والميمنة”، متهماً ألوية أخرى بالتقصير، دون أي اعتراف صريح بمسؤوليته أو تقصير قيادته.

بل إن التحالف نفسه، الذي تعرّض للإحراج بسبب الهزيمة الساحقة، وصف العملية بـ”المسرحية الحوثية”، في محاولة لتقزيم الحدث والهروب من الاعتراف بالهزيمة.

تجنيد وهمي، جنود بلا رواتب، ومجندون معتقلون



التقارير اللاحقة أظهرت كيف تم تجنيد المئات من الشباب اليمنيين، معظمهم من محافظات أبين وشبوة، عبر وسطاء محليين وسماسرة حرب، وتم تجميعهم داخل الأراضي السعودية، وتدريبهم بشكل سطحي، قبل إرسالهم إلى جبهات مفتوحة مثل كتاف.

وفي الوقت الذي تقاضى فيه قادة الألوية، وعلى رأسهم رداد الهاشمي، أموالًا طائلة، ظل الجنود يُعاملون كـ”مرتزقة بدون حقوق”، بل وسُلبت رواتبهم، وتعرضوا للتعذيب والاعتقال عند مطالبتهم بحقوقهم.

وقد تم تسريب “مناشدة مؤلمة” من عشرات المجندين اليمنيين في معسكرات كتاف – نجران، قالوا فيها إنهم بلا رواتب منذ شهور، وتعرضوا للقمع والاعتقال والتعذيب من قبل ضباط سعوديين، بينما تواطأ قائدهم اليمني، رداد الهاشمي، ضدهم.

الترقية الصادمة: رداد الهاشمي قائداً لمحور البقع!



في سابقة خطيرة لم يشهدها تاريخ المؤسسة العسكرية اليمنية، صدر قرار بتكليف رداد الهاشمي بقيادة محور البقع، أحد أهم المحاور العسكرية في صعدة، المتاخمة للحدود السعودية.

جاء هذا القرار في وقت تتصاعد فيه الأصوات المطالبة بمحاسبته، لا ترقيته. وأثار غضباً واسعًا في الأوساط العسكرية والإعلامية، باعتبار التعيين مكافأة لفشل ذريع كلف اليمن دماء المئات من أبنائها.

ولم يصدر أي توضيح من وزارة الدفاع أو مجلس القيادة الرئاسي يبرر هذا التعيين، وكأن المؤسسة العسكرية باتت مرتعًا للفشل والترضيات، لا مؤسسة مهنية تخضع للمحاسبة والانضباط.

ماذا تعني هذه الخطوة؟ وهل هناك مشروع لتدوير الفاشلين؟


تكليف رداد الهاشمي بقيادة محور البقع يحمل دلالات خطيرة، أبرزها:

1. تدمير مبدأ الثواب والعقاب داخل المؤسسة العسكرية.


2. تأكيد استمرار نفوذ المراكز غير الرسمية (التحالف والقيادات المرتبطة به) في اتخاذ قرارات عسكرية سيادية.


3. ضرب الروح المعنوية للجنود والمقاتلين، الذين باتوا يشعرون أن دماءهم تُهدر دون محاسبة، وأن قادتهم يترقون بالفشل لا بالإنجاز.


4. رسالة سلبية للمجتمع مفادها أن التعيينات قائمة على الولاءات، لا الكفاءة ولا الخبرة.

لماذا السكوت الرسمي؟



عدم تحرك وزارة الدفاع اليمنية، أو الرئاسة، أو حتى لجنة الدفاع في البرلمان، أمام هذه الكارثة المزدوجة (الهزيمة ثم الترقية) يثير تساؤلات عن:

حجم الهيمنة السعودية على القرارات العسكرية اليمنية.

دور المستشارين والضباط غير المحترفين في دعم فاشلين وتدويرهم.

غياب الإرادة السياسية لبناء جيش وطني حقيقي يخضع للرقابة والمحاسبة.

ماذا بعد؟



إذا كانت قيادة الجيش اليمني تريد بناء مؤسسة وطنية، فإن أولى خطوات الإصلاح هي محاسبة الفاشلين، لا مكافأتهم. وإن كان لدى التحالف رغبة صادقة في دعم استعادة الدولة اليمنية، فعليه أن يكفّ عن التعامل مع قيادات بلا تاريخ عسكري أو سجل نظيف.

رداد الهاشمي قد يكون مجرد مثال من عشرات القيادات التي أُغدق عليها الدعم رغم فشلها وفسادها، لكن بقاء أمثاله على رأس قيادة الجبهات يعني شيئًا واحدًا: أن النصر مؤجل، والخيانة مستمرة، والدماء لا تزال تُهدر دون ثمن.

إن دماء الجنود اليمنيين، التي سالت في وادي آل أبو جبارة، لن تُمحى من ذاكرة الشعب، ولن تمر دون حساب. قد يتأخر الحساب، لكنه قادم لا محالة، فالشعوب لا تنسى، والتاريخ لا يرحم.

🔗 رابط مختصر:

اترك رد