صدى الواقع اليمني – كتب: حسين الشدادي


في عَقدٍ مرّ على اليمن كجمرٍ مشتعل تحت الرماد، لم تفلح أي من القوى اليمنية المتنازعة، شمالاً وجنوباً، شرقاً وغرباً، في أن تُقنع العالم ـ فضلاً عن الداخل ـ أنها جديرة بالشراكة، أو قادرة على أن تحمل الكيانية الوطنية بشيء من الكاريزما أو الرؤية أو الحُلم الناضج. لم نرَ طيلة تلك السنوات سوى فائض من الشعبوية، وندوب المعارك، وصراخ المظلومية، ونحيب الخيبات التي لم تنجب إلا مزيداً من المآسي والتشظي.

لم ينجح أحد، لا حزب ولا جماعة، لا زعيم ولا هيئة، في أن يتجلى بصورة الدولة، أو أن يخاطب العالم من موقع الندّ، أو أن يقول للعالم: ها أنا ذا، صوت شعب، ومشروع وطن، ووجهٌ للجمهورية التي تليق بالبشرية.
تحولت اليمن ـ بفضل هذا الفشل المزمن ـ إلى “ملف إنساني”، لا أكثر، وتحوّل شعبها إلى أرقام في تقارير الإغاثة.
وهذه ـ بلا مواربة ـ إهانة شاملة للمشروع الجمهوري اليمني الذي كان يجب أن يُمثَّل لا أن يُختزل، أن يُقاوِم لا أن يتسوّل، أن ينهض لا أن يُطمَر تحت الركام.

ظهر العميد طارق محمد عبدالله صالح متأخراً، متحرراً من إرث النحيب، متجرداً من عُقد الاصطفاف القبلي والمناطقي، ليقدم نفسه بلغة جديدة، لا ترتكز على العويل، بل على العمل، لا تعتمد على المظلومية، بل على القدرة، لا تبني مجدها على الخراب، بل على استعادة المعنى.

لن نغرق في المديح، ولن نقول إنه “نجح” تماماً، فالطريق لا تزال طويلة، والعقبات لا تزال شاهقة، لكنه ـ من دون كثير من الجدل ـ هو الوجه الجمهوري الأكثر قابلية للتشكّل كقائد دولة.
من بين رماد اللحظة اليمنية الفاسدة، وسط جوقة الأصوات النشاز، ظهر هادئاً، صلباً، واقعياً، بملامح جمهورية أصيلة، لم يدّعِ تمثيل جهة، ولا قبيلة، ولا محافظة، بل مثّل الفكرة التي غابت، الفكرة التي اختنقت تحت سُعار الخُطب وأكاذيب الحروب.

طارق لم يبع الوهم، ولم يعِد بشيء مستحيل، بل مضى على مهلٍ، بشيء من الصمت النبيل، وكثير من الإيمان بجدوى ما يفعل.
لم يسعَ إلى أضواء المظلومية، وهو من اكتوى بنارها وخذلان ذويه، بل اختار طريق “الفعل الصامت”، والقدرة على تحويل الممكن إلى واقع، والبسيط إلى حدث دولي.

عملية واحدة، حاسمة، ذكية، نظيفة، كانت كافية لتُدخله نادي الندّية مع أقوى الدول. لم ينتظر الحماية، ولم يطلب المساعدة، بل بجرأة القادة التاريخيين، قال: أنا هنا… وأعرف ما أفعل.
بتلك الضربة الأمنية التي أعادت تعريف الجغرافيا البحرية لليمن، أثبت طارق أنه يمتلك ما هو أكثر من السلاح، وأكثر من الجنود؛ يمتلك “العقل” الذي يصنع الفارق، و”الطموح” الذي يبني المستقبل.

وما كان لهذه العملية أن تُحدث هذا الصدى لولا أنها انطلقت من عقل يؤمن بأن القائد الحقيقي هو الذي يقتحم الفعل، لا الذي يصرخ على المنابر.
أن تكون قادراً على صناعة التحوّل، في زمن الرداءة، فتلك زعامة.
وأن تكون موثوقاً لدى حلفائك، ومحترماً لدى خصومك، فهذه كاريزما لا تصطنعها الخُطب، بل تصنعها التجربة.

طارق صالح اليوم، لا يمثّل حزباً، ولا تياراً، بل يمثّل ما تبقى من روح الجمهورية التي ضاعت بين أقدام الغوغاء.
وهو ـ وإن لم يبلغ القمة بعد ـ قد تجاوز كل “الأقزام”، لأنه امتلك رؤية، وصنع لنفسه هيبة نابعة من العمل، لا من اللقب، ومن الموقف، لا من المنبر.

ولأن التاريخ لا يصنعه المترددون، ولا يبنيه من ينتظر الإذن، فإن طموح طارق، وتدرجه الناضج، وحضوره الذي يشيع الطمأنينة لا الفوضى، يجعل منه اليوم المؤهل الوحيد لأن يحمل هذا الوطن على كتفيه، دون أن ينكسر، ودون أن يفرط، ودون أن يستبدّ.

ولأن اليمن لا تحتاج إلى بطل خارق، بل إلى رجل دولة، فإن هذا الرجل، الذي لم يقل عن نفسه شيئاً، قد قالت أفعاله عنه كل شيء.

ما ننتظره منه ليس أن يكون منقذاً، بل أن يكون قائداً من طراز الجمهورية، لا من طراز الجماعة.
أن يعيد ترتيب العلاقة مع الداخل أولاً، ثم مع العالم، بعقل الدولة، لا بارتباك الضحية.

فإن فعلها، وإن عبر بهذه البلاد هذا الجسر الدمويّ إلى ضفة الدولة، فسيكون قد كتب اسمه في الصفحة الأولى من مستقبل اليمن الجمهوري.

وما ذلك على ذوي الكاريزما العاقلة بعزيز.

🔗 رابط مختصر:

اترك رد