صدى الواقع اليمني – كتب : حسين الشدادي

في مشهدٍ يبدو سريالياً لا يمتّ للمنطق بصلة، يطفو إلى السطح اسم اللواء أمجد خالد، ذاك الذي أدار دفة “لواء النقل” تحت مظلة ألوية الحماية الرئاسية، حينما كانت الشرعية تُدار من شرفة فندق في الرياض، في زمن الرئيس السابق عبدربه منصور هادي. أمجد خالد لم يكن رجلاً عادياً في هرم الشرعية، بل صنيعة مرحلة، وأداة من أدوات العبث، توزعت ولاءاته وفق البوصلة التي ترسمها أجندات التنظيم الدولي للإخوان المسلمين.

لم يكن كثيرون يتخيلون أن من يُفترض أنه قائد عسكري ضمن قوات الشرعية، سيكون في قلب شبكة إرهابية تورطت في سلسلة اغتيالات وتفجيرات، أبرزها اغتيال مدير برنامج الأغذية العالمي مؤيد الحميدي في تعز. اللجنة الأمنية العليا، في بيانها الأخير، كشفت بما لا يدع مجالاً للشك، أن أمجد خالد كان يدير هذه الخلية بصفته الرأس المدبر، مؤكدة ارتباطه الوثيق بمراكز القرار الحوثي في صنعاء، لتكتمل بذلك دائرة الخيانة والدم.

ولعل المفارقة الفاجعة أن هذا المتهم الخطير، لم يُعتقل، ولم يُسلّم، بل هرب إلى التربة، تلك المدينة التي تُدار فعلياً من قِبل جناح الإصلاح الإخواني، وكأنها دولة داخل الدولة، أو قل “الملاذ الآمن” لأمراء الحرب والمطلوبين.

حين صدر الحكم بالإعدام بحق أمجد خالد، هبّت جوقة التبرير من إصلاحيي الداخل والخارج، لتستنكر ما أسمته “تسييس القضاء”، معتبرين أن صدور الأحكام من عدن يفقدها الشرعية، كونها تحت سيطرة المجلس الانتقالي الجنوبي، العدو الألد للإخوان. سُفّهت التهم، ودُفعت الأقلام لشيطنة القرار القضائي، وتحوّل الإرهابي إلى ضحية. مفارقة لا تحدث إلا في يمن تتنازع عليه مشاريع تتقاطع مصالحها عند خطوط الدم.

لكن العجيب في الأمر، أن الجوقة ذاتها صمتت حين أشادت اللجنة الأمنية، برئاسة الدكتور رشاد العليمي، بكشف الشبكة الإرهابية. صمتٌ غير مألوف. ربما لأن العليمي لم يعد في خندق الخصومة معهم، بل أصبح بينهم وبين السلطة شيء من الأنس والمصالح المشتركة.

في تسجيل خرج قبل أسابيع، لوّح أمجد خالد بكشف المستور، مؤكداً أن ما قام به من عمليات، بما فيها تحركاته العسكرية، كانت بتنسيق مباشر مع قيادات من حزب الإصلاح. قالها بوضوح وبلا مواربة، إنه مجرد منفذ، وإن التخطيط والتوجيه جاء من “جهات عليا” محسوبة على تيار الإخوان.

تصريح كهذا لم يحرّك ساكناً، لا في مؤسسة رئاسة ولا في صفوف الحزب. وكأن الصمت أصبح هو الحيلة الوحيدة لدرء الفضيحة، أو ربما لأن القناعة أصبحت راسخة: التلميذ تجاوز الخط الأحمر وهدد بكشف أستاذه.


تأمل قليلاً في مأرب، حيث يُحكم الطوق الإخواني منذ سنوات، وتنشط ماكينات إعلامهم في تلميع الأوهام ودفن الحقائق. وحين يبدي أحدهم قلقه من تمدد التنظيم، تنهال عليه حملات التخوين والشيطنة، من أقلام لا تدرك –أو تتغافل– عن أن التنظيم الذي ينتمون إليه هو ذاته الذي خرّج أمجد خالد، ويرعى قيادات أشد خطراً منه، في تعز ومأرب.

ولعل من مهازل المرحلة أن الإصلاحيين أنفسهم يتساءلون ببراءة ساذجة: “لماذا يضغط الغرب لوقف تقدم القوات من نهم إلى صنعاء؟” وكأنهم لا يعلمون أن العالم لم يعد يجهل حقيقة المكونات المسيطرة، ولا يثق بمشروعٍ يتشح بعباءة الشرعية ويمارس الإرهاب من تحت الطاولة.

إذا كان أمجد خالد قد كشف طرفاً من شبكة الفوضى، فإن ما يحدث في تعز أشد تعقيداً وخطورة. هناك رجال بأسماء لامعة وبدلات رسمية، يديرون ما هو أشبه بغرف سوداء للتصفية، والتحالفات المزدوجة، والمال المشبوه. وليس أمجد إلا ورقة احترقت مبكراً، وربما أُحرق بنفسه حين قرر أن يتمرد على صمته.

إن الخطر الحقيقي على الشرعية ليس من الحوثي وحده، بل ممن يزعمون الدفاع عنها وهم يقتلونها كل يوم، في صمت المؤسسات، وتواطؤ القرار، وانبطاح التحالفات. لقد تحولت بعض المناطق المحررة إلى حاضنات للإرهاب تحت رعاية الشرعية نفسها، وبشراكة غير معلنة مع قوى تخترق الشرعية من الداخل.

إن لم يفتح هذا الملف على مصراعيه، ويُحاسب كل من تلوثت يده بدم، أو عبث بالقرار، فإن القادم سيكون أشد ظلمة. فالوطن لا يُبنى على تواطؤ، ولا تُستعاد الدولة بمنطق المليشيا.

هنا… فقط، تبدأ الكارثة.

🔗 رابط مختصر:

اترك رد